كيف السبيلُ إلى من في هواه مضَى ... عُمْري وما صدَّني عن ذكرِه شُغُلُ
وَاحَيْرتي ضاع ما أولَيْتُ من زمنٍ ... إذْ خاب في وَصْل مَن أهواهمُ الأملُ
في أيِّ شَرْعٍ دماءُ العاشقين غدَتْ ... هَدْرَى وليس لها ثارٌ إذا قُتِلُوا
يالَلرِّجال من البِيض الرِّشاق أما ... كفاهمُ ما الذي بالناس قد فعلُوا
مَن مُنصِفي من غزَالٍ ماله شُغُلٌ ... عنِّي لا عاقثني عن حبِّه عملُ
نصبتُ أشْراك صَيْدي في مَراتعِه ... والصَّيد فنِّى ولي في طُرْقه حِيَلُ
فصاح بي صائحٌ خَفِّضْ عليك فقد ... صِيدَ الغزالُ الذي تْبغيه يا رجلُ
فصرتُ كالوا لِه السَّاهي وفارقني ... عقلي وضاق علىَّ الأرضُ والسُّبُلُ
وقْلت بالله قلب لي أين سارِبُه ... مَن صادَه علَّهم في السَّيْر ما عجِلُوا
فقال لي كيف تَلْقاهم وقد رحلُوا ... مِن وقتهم واستجدَّتْ سيْرَها الإبلُ
[ولده السيد جمال الدين]
هذا السيد كنت أسمع خبره مجملاً، ولا أرى لوصفه على غير الكمال محملا.
حتى عاشرت أخاه السيد علياً بمكة ففصل ذلك الإجمال، وعرفني أنه أوتي الغاية من وصف الكمال والجمال.
وأوقفني على ماله من النظم الرصين في اللفظ الرصيف، فتناولت منه ما هو أشهى من كأس الحميا طاف بها الساقي الوصيف.
وذكر لي أنه بعد ما أقام بالحرم المكي مدة، وأعد للتفرد في طريق المنادمة أحسن عدة.
دخل حيدر أباد بقصْد ملكها أبي الحسن، فنشط لملاقاته نشاط الجفن للوسن.
وأحله كنفا وسهلا، وأراه جيرةً للمدح أهلا.
فبقي في سرابيل إنعامه رافلا، ويبث مدائحه على رؤوس الأشهاد حافلا.
ثم طرأت على أبي الحسن طارئة دهياء دهما، وفجأته من تغلب أورنك زيب عليه فاجئة عمياء صما.
فتقلب في العجائب العقم، وتخامر في النوائب الدهم.
واقتطفت السيد جمال الدين في أثر ذلك المنية، دون أن ينال من مواهبه كل الأمنية.
فما وصل إلى قبضة الملمات، حتى حصل في غصة الممات.
وقد ذكرت له ما تعجبك طرائقه، ويبعث طربك شائقة ورائقه.
فمن ذلك قوله، من قصيدة مدح بها الإمام أحمد بن الحسن، أحد أئمة اليمن:
خليلىَّ عُودا فيا حّبذَا المَطْلُ ... إذا كان يُرجَى في عواقبه الوصلُ
خليلىّ عودا واسْعِداني فأنتما ... أحقُّ من الأهْلِين بل أنتما الأهلُ
فقد طال سَيْرِي واضْمحلَّت جوارحي ... وقد سئمتْ فَرْط السُّرَى العِيسُ والإبْلُ
فعادا وقالا صَحَّ ما بك من جَوًى ... وفي بهعض مالا قْيتَه شاهدٌ عَدْلُ
ولكنَّ طولَ السير ليس بضائر ... وغايُته كنزُ النَّدَى أحمدُ الشِّبْلُ
منها:
أبانتْ به الأيامُ كلَّ عجيبةٍ ... يسير بها الركبُ اليَمانِيُّ والقَفْلُ
فنيرانُ بأْسٍ في بحارِ مكارمٍ ... ومِن فِعْله وصلٌ وفي قوله فَصلُ
أرانا عيَاناً ضِعف أضْعاف سمعِنا ... وعن جوده قد صحَّ بالنظر النقلُ
منها:
أقول وقد طفتُ البلاد وأهلها ... بلَوْتُهمُ قولا يصدِّقه الفِعْلُ
إذا ما جرى ذكرُ البلاد وحسنِها ... فتلك فروعٌ والغِراسُ هي الأصلُ
وإن عُدَّ ذُو فضل ومجد مُؤثَّلٍ ... فأحمدُ من دون الأنام له الفضلُ
فلا غَرْوَ أن قصَّرتُ طولَ مدائحي ... ففي البعد قَصْرُ الفرضِ جاء به النَّقْلُ
إليك صَفِيَّ الدين مني خَريدةً فريدةَ ... حسنٍ لا يُصابُ لها مِثْلُ
وأعظمُ ما ترجو القبولَ فإنما ... قبولُ الثَّنا بابٌ يتمُّ به السُّؤْالُ
فحقِّقْ رجاها واْحِل عاطلَ جِيدها ... بما أنت يا نَجْل الكرام له أهلُ
ومن مقطعاته قوله معميا باسم رجب:
قلتُ مذ حلَّ منزلي وصفا لِي ... كأسُ وقْتي من شَوْب واشٍ مُريبِ