للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكْسَبك اغْتراباً وانتزاحاً ... فكُن متغرِّبا في أسْكدارِ

ترى فيه ظباءً سانحاتٍ ... بألحاظٍ يَصِدْنَ بها الضَّوارِي

وطوراً تلتقي غصناً رطيباً ... علاه حَدِيقة من جُلَّنارِ

فقَضِّ العمرَ فيها في سرورٍ ... وصِلْ ليلَ التَّواصُلِ بالنهارِ

وخَلِّ الأهْلَ عنك وقلْ سلامٌ ... على الأوطانِ منِّي والديارِ

فراجعه بقوله:

أتتْك نصيحة من ربِّ فضلٍ ... إمامٍ في الفضائل والفخارِ

له في كل علمٍ طِيبُ مَجْنىً ... وفضلٌ زَانه كَرَمُ النِّجارِ

ونظمٌ يُعْجِز البلغاءَ لفظاً ... ونثرٌ كاللآلي والدراري

يقول وقولُه لا شكَّ صدقٌ ... عليك إذا اغْتربتَ بأسْكدارِ

نعم هي جَنَّةٌ حُفَّتْ بحُورٍ ... ووِلدانٍ حَلَتْ شمسَ النهارِ

ولكن لم أجدْ فيها خليلاً ... يُعِين أخا الغرامِ على اصْطبارِ

يساعدني على كَلَفِي بريمٍ ... يُعذِّب عاشِقيه بالنِّفارِ

له لحظٌ يصولُ به دلالاً ... فيفْتِنُ رَبَّ نُسْكٍ ذا وقارِ

وقدٌّ إن تثنَّى فهْو غُصنٌ ... يُحرِّك من هوى نائِي الديارِ

فمالي والقَرار بها وأنَّى ... يطيبُ ليَ القرارُ بلا قرَارِ

قضاءٌ من إلهي ليسَ يجْري ... على قدرِ الإرادة باخْتيارِي

وطلب من والدي تأليفه " الرحلة الرومية "، فبعثه إليه، وكتب معه:

تبسَّم عن ثغْرِ الأقاحِي لِثامُها ... وغنَّتْ على الأفْنان صُبْحاً حمامُها

وغرَّدتِ الأطيارُ من بهجةِ الرُّبَى ... فمالتْ لها الأغضانُ وهْو سلامُها

وحيَّتْ بخَدٍّ كالشقيق مُورَّدٍ ... ورقَّةِ خَصْر لان منه قَوامُها

فأحْيَتْ عليلاً طال وقتُ انْتظارِه ... ووافتْ فَوافَى بالصباح ابْتسامُها

تقلَّدت الزُّهْرَ الدَّرارِي كأن من ... ثنايَ على ربِّ المعالي نظامُها

هُمامٌ أطاعتْه يَراعُ بَراعة ... يُراعُ مُعادِيها ويُرْعَى ذِمامُها

فحضْرتُه العَلْيا إذا انْحطَّ قدْرها ... غدا فوق فِرْقِ الفَرْقَديْن مَقامُها

وهابِنْتُ فكرٍ قد أتتْ نحو بابِكمْ ... بغير يديْكم لم يُفَضَّ خِتامُها

وصُحْبتُها منِّي الدعاءُ ورحْلتي ... تُشرَّف بالأنْظار وهْو مَرامُها

وها هي قد جاءتْك تشْكو من الظَّما ... بأدْنى ابْتسامٍ منك يُرْوَى أَوامُها

فما القلبُ يصفُو إذ تزيد همومُه ... ولا الشمسَ تَبْدو إذ يُحيط غَمامُها

فلا زلْتَ تبْقى كلما رنَّحَ الصَّبا ... غصوناً وقد غنَّى عليها حَمامُها

مدَى الدهرِ ما أهْدَى لبِيبٌ رسالةً ... لرَوْضة فضلٍ فاح منها بَشَامُها

فأجابه بقوله:

أروضةُ زهرٍ جاد سَحًّا غَمامُها ... فأهْدَى لنا نَشْرَ العبير خُزامُها

أم الرَّاحُ في الأقْداحِ لاحتْ فأسْكرتْ ... فؤادي ولمَّا فُضَّ منها خِتامُها

تطوف بها ذاتُ الوشاح خَرِيدةٌ ... يروقُك مَرْآها ويحلو كلامُها

مريضةُ أجفانِ اللِّحاظ سليمةٌ ... وما صحةُ الأجْفان إلاَّ سَقامُها

مُثقَّلةُ الأرْدافِ خَفَّ وِشاحُها ... مُرنَّحةُ الأعطافِ لَدْنٌ قَوامُها

مُضمَّنَةٌ من ذِي وفاءٍ قَصيدةً ... بليغةَ ألفاظٍ بديعٌ نِظامُها

أخي فِطْنةٍ رقَّتْ وراقتْ عذوبةً ... فلله منها لُطْفُها وانْسجامُها

أطاعتْه أبْكارُ المعاني وعُونُها ... بفضلٍ فأضْحَى في يديْه زِمامُها

وذلك فضلُ الّله يُؤتيه مَن يشا ... ويمْنحه نفساً عزيزاً مَرامُها

<<  <  ج: ص:  >  >>