وكل ذلك يشهد له بأنه أخذ الأمر بزمامه، وناداه الصواب من خلفه كما ناداه من أمامه.
وبالجملة فهو حظ الزمن، والملك الذي تم به يمن اليمن.
وأما أخوه: الحسين فهو صنوه في الإخا، وعديله في الشدة والرخا.
كوكب رياسته الزهرا، التي جمل بها أولاده الزهرا، وأطلع في سماء سنائها، ورياض علائها، زهراً مضيئةً وزهرا.
شموس السعادة من وجهه مشرقة، وعيون طوارق الغي عنه مطرقة.
وكان له لفظٌ نشر به من الوشي الصنعائي حللاً وأبرادا، وخطٌّ أهدى للشمس من ضيائه إشراقاً ورادا.
وآثار أقلامه لوائح بوادي، لم يتنحنح بمثلها شادٍ بمفازةٍ أو حادٍ بوادي.
فمن شعره قوله في الغزل:
مولايَ جُدْ بوِصالِ صَبٍ مُدْنَفٍ ... وتَلافِه قبل التَّلافِ بمَوْقفِ
وارحمْ فُدِيتَ قتيلَ سيفٍ مُرْهَفٍ ... من مُقلَتيْكَ طعين قَدٍ مُرْهَفِ
فامْنُنْ بحقِّك يا حبيبُ بزَوْرةٍ ... تُحْيي بها القلبَ القَرِيحَ فيشْتَفِي
أعَلمْتَ أن الصَّدَّ أتْلف مُهجتِي ... والصدُّ للعشَّاقِ أعظمُ مُتْلِفِ
عجباً لِعطْفِك كيف رُنِّح وانْثَنى ... مُتأوِّداً وعليَّ لم يتعطَّفِ
أنا عبدُك المَلْهوفُ فارْثَ لذِلَّتي ... وارْفُق فَدَيْتُك بي لطُولِ تلَهُّفِي
عرَّفْتني بهوَاك ثم هجرْتنِي ... يا ليْتني بهوَاك لم أتعرَّفِ
يا مُهجتِي ذُوبي ويا رُوحِي اذءهبي ... من صَدِّه عنِّي ويا عينُ اذْرِفِي
هل من مُعينٍ لي على طُولِ البُكا ... أو راحِمي أو ناصرِي أو مُنْصِفِي
وإليك عاذِلُ عن مَلامةِ مُغْرَمٍ ... لا يَرْعَوِي عن ما يرومُ ولا يَفِي
حاشايَ أن أسْلُو وأنْسَى عهدَ مَن ... أحبَبْتُه إنِّي أنا الخِلُّ الوَفِي
قُل ما تشاءُ فإنني يا عاذلِي ... لا أنْتهِي لا أنْثنِي عن مُتْلِفي
أنا عبدُه لا أكْتفِي عن مالكِي ... والعبْد عن مُلاّكِه لا يكْتفِي
يا قلبَه القاسِي أما تَرْثي لمن ... قاسَى هَواك جَوىً وطولَ تأسُّفِ
اعْطِف على قلبٍ سلبْتَ فؤادَه ... واسْتبْقِ منه بالنَّبيِّ الأشْرفِ
الإمام محمد بن القاسم الذي قام بالإمامة، وتتوج بتلك العمامة.
وألزمت له الناس هذا التنويه، ولم يحجم نفسه في هذا الأمر عما تنويه.
فأصبح وهو مجتمع الكلمة في اليمن كلها، القائم بأعباء الأمور دقها وجلها.
تكفلت بغنى الراجين منائحه، وأحصيت السيارة ولم تحص مدائحه.
وكان له قوة حدسٍ تكاد ترد النار إلى الزند، وحسن سياسةٍ تثني الناس عليها ثناء النسيم على الرند.
ولما دعاه الداعي الذي لا بد عن إجابته، ورماه قوس القضاء بالسهم الذي لا محيد عن إصابته.
تقسمت الكلمة المجتمعة بين أحمد وإسماعيل الأخوين، ومحمد ابن أخيهما الحسن المتقدم آنفاً فتفرق القوم فرقا، وسلكوا من التشعب طرقا.
وجرت بينهم حروبٌ للظهور قاصمة، ولعرى الحزم فاصمة.
حتى ضاقت اليمن بأهلها ذرعا، وخامرتها النوائب أصلاً وفرعا.
وإسماعيل محتسب في دفع تلك الغمة، متوكل على الله في تلافي أمر الأمة.
وهو عالمٌ أن القلوب معه، والكلمة عليه مجتمعة.
وأن الإمامة تسعى له باتفاق، وتتجاذبه أطرافها من بين تلك الرفاق.
حتى صار علمه يقينا، واستسلم له القوم قائلين: نحن من شيعتك ما بقينا.
علماً منهم أن ما هم فيه أمرٌ محظور، تقدم فيه بتسويل الأنفس حدٌّ محذور.
فأصبح في تلك الدائرة قطبا وهم فلك، وناداه الدهر إن لم تكن لهم الإمامة فلك.
فلقيت به الولاية حظاً، وأدارت كيف شاءت في الرفاهية لحظاً.
واطمأنت أدانيها وقاصيها، وابتهجت أسرتها ونواصيها.
وإسماعيل هذا هو الإمام المجلي، يقتدي به المصلي وغيره في ميدان السباق، وإذا جرى ذكره في البراعة استخدمها له القول بالموجب بنوعي المطابقة والطباق.
ولئن كان من بين أخوته الأقل الأصغر، فيفديه العالم الأكثر من أصغر العالم والأكبر.