للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو أصلٌ نالت به قبائله من الشرف الأرب، كما أن إسماعيل أصلٌ تفرعت منه قبائل العرب.

مد إلى جر المجرة باعا، واتخذ له فوق الأثير منازلاً ورباعا.

لم يدر على مثله لنادٍ نطاق، ولم ير الدهر نظيره ولو شمر عن ساقه ما أطاق.

تهابه النفوس إذا رمقته أبصارها، وتلجأ إليه الرياح إذا أرهقها إعصارها.

فلو دعا السهم في الهواء لرجع من ساعته، أو نادى الدهر الأي لما أمكنه التخلف من طاعته.

يسافر رأيه وهو دانٍ غير نازح، ويمضي تدبيره وهو ثاوٍ غير بارح.

وهو في العلم فردٌ لم يختلف فيه اثنان، وجامعية فنونٍ ذات أصول وأفنان.

وله شعر كقدره فوق أن يقال جليل، وكثير المدح في جنب معاليه قليل.

كما قال القائل:

كلامُ الإمامِ إمامُ الكلامِ ... وفُوه يفُوه بحُرِّ النِّظامِ

مِزاجُ مَعانِيه في نَظْمها ... مِزاجُ المُدامِ بماءِ الغَمامِ

فمن شعره قوله، من قصيدة أولها:

في المُهجةِ أضْحَى معهدُهُ ... فلذَا في الغَيْبة تشهدُهُ

فتَّانُ الحسنِ مُمَّنعهُ ... فِتْيان الصَّبْوةِ أعْبُدُهُ

معسولُ الثَّغر مُفلَّجُه ... عَسَّال القَدِّ مُعربِدُهُ

وافَى من بعدِ تجَنُّبِه ... ووفَى بالزَّورةِ موعدُهُ

وسرىَ كالبدرِ فسُرَّ بهِ ... مسلوبُ كَرىً لا يرقُدُهُ

وكتب إلى القاضي محمد بن إبراهيم السحولي:

عجباً ما للأخِلَّهْ ... أعرضُوا من غير عِلَّهْ

وتجافَوا عن كئيبٍ ... هائمِ القلب مُوَلَّهْ

مستهامٍ عذَّبْتهُ ... من غزالِ الرَّملِ مُقلَهْ

ذُو قَوامٍ مثلُ غصنِ الْ ... بانِ قد حُدَّ برَمْلَهْ

ومُحَيّاً أوْرَث الأنْ ... جُمَ والأقمارَ خَجْلَهْ

عَبْلةُ الساقِ رَداحٌ ... دُونَها في الحُسنِ عَبْلَهْ

غادةٌ عادتُها للصَّ ... بِّ أن تُكثِر مَطْلَهْ

جعلتْ هجْرَ المُعنَّى ... في الهوى دِيناً ومِلَّهْ

حرَّمتْ من وصلِه ما ... خالقُ الخلقِ أحَلَّهْ

وأحلَّتْ قتْلَه واللَّ ... هُ قد حرَّم قتَلهْ

يا تُرَى في أيِّ يومٍ ... يصل المحبوبُ حَبْلَهْ

وبه في طِيبِ عيشٍ ... يجْمَع الرحمنُ شَمْلَهْ

وترى العاذلَ فيهِ ... تاركاً في الحبِّ عَذْلَهْ

ويعودُ الصبُّ للمعْ ... هُودِ من دون تَعِلَّهْ

فهمُ قومٌ سُراةٌ ... أرْيَحِيُّونَ أجلَّهْ

ولهم في القلبِ وُدٌّ ... لا يرُوم الغيرُ نَقْلَهْ

غيرَ أن الدهرَ أبْقَى ... منهم يبْلَهُ عَقْلَهْ

صيَّر التشْهيرُ في وصْ ... لهمُ المطلوبَ غَفْلَهْ

سَدَّ دُونَ الضَّاحِك السَّ ... عدِ طريقاً منه سَهْلَهْ

فتناسَوْا عهدَ صَبٍ ... ذاهلِ اللُّبِّ مُدَلَّهْ

وجَفَوْه فرسومُ الْ ... وُدِّ منهمْ مُضْمَحِلّهْ

فمتى في الدهرِ نَلْقَى ... شيْخَه بدرَ الأهِلَّهْ

عَلَّه يشكو إليه ... سَطْوةَ الدهرِ وفِعْلَهْ

نَجْلُ إبراهيم عِزُّ الدِّ ... ين محمودُ الجِبِلَّهْ

أعظمُ الأخْيارِ قِيلاً ... أكرمُ الأحرارِ خُلَّهْ

أحسنُ الناسِ خِصالاً ... قاربَ الأكياسُ مِثلَهْ

وهْو للطالبِ عِلْماً ... علَمُ زاهٍ وقِبْلَهْ

يا جمالَ الدِّين مَن حا ... زَ خصالَ الفضلِ جُمْلَهْ

هاك نظماً من مُحِبٍ ... لا يرَى غيرَك أهْلَهْ

أوْجَدته فكرةٌ قد ... كرَّرتْها أيُّ شُعْلهْ

يرْتجِي منك قبولاً ... لِنظامٍ جاء قَبْلَهْ

مُسبِلاً من دُونِه سِتْ ... راً عن العيْبِ وِكِلَّهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>