للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرنفل كأنما توقد بالجمر، وانعقد من الخمر.

على مكاحل خضرٍ معشوقة، وساوعد صفرٍ ممشوقة.

وسنبلٍ لازوردي الأديم، عنبري الشميم.

تخاله بأكف الولائد، كأنه شنوف علقت إلى مراود.

وبادورد، تسمى برائحة العنبر والورد.

كأنه هالة البدر في القياس، أوشمسة تفككت من الألماس.

والطير جذلان مبتهج، بين فاردٍ ومزدوج.

قد صدح ومرح، وغنى بكل مقترح.

فمن عندليب قد أخذ من الغرام بنصيب، وحرك نوازع المحب للحبيب.

كأنما رقش بحوة اللعس، أو قدٌ طوق من أديم الغلس.

ومن شحرور، قد أعلن بالسرور، وترنم خلف الستور.

ثم برز لمناغاة كل أوراق صدوح، كأنه راهب في مسوح.

وقد صيغت من الأبنوس قوائمه، وصبغت بعصارة المرجان ملاثمه.

ومن مطوق قد حن إلى إلفه وتشوق، وترسل بالأغاريد وتتوق.

ومن قمريٍ راح يقهقه بترجيعه، ويحكى إبريق المدام عند سفك نجيعه.

ومن ساجعةٍ، ذات غصة متراجعة.

معشوقة التفويف، معلمة الرمل والخفيف.

يندى بمرتحل الرذاذ عاتقها، وفي أحشائها زفرةٌ من الشوق لا تفارقها.

ومن ساق حر، كأنما اكتحل بنار الجوانح، وبزر على منصة المناوح لكل مطارح.

جَوارٍ على قُضْبِ الأراكِ تناوَحتْ ... وما هي إلا للقلوبِ جوارحُ

وإذا بولدان كأنهن شوارد آرام، أو بدور تمام، يتطلعن من فروج الغمام.

من كل ذي طرف منهوك النظر، بادي الفتور والحور.

بمحياً وسيمٍ يندى بمائة، قد أطلع فيه النعيم آية روائه.

وجيدٍ معشوق الغيد، على قوامٍ رهيف التثني والميد.

كأنه الغصن يمرح في برده، والصبح ينساخ نوره من طوقه وعقده.

قد رفعوا سجوف التكلف، وهصورا بأغصان التألف.

وعلى يد كل واحد كأس مدام، وإبريقٌ منزوع الفدام.

وهما يتعاقران السلاف على روض وغدير، وسماع بمٍ وزير.

حتى مرج الدوح بهم واضطرب، وجرت الأكواب على الخبب.

فبينا أنا متعجب من هذه الآثار العبقرية، ومتأمل في هذه المحاسن الربيعية.

وإذا بالفكر قد رفع الحجاب منشداً، وإلى وجه الطرب مرشداً.

فقال:

إليك نزعَةُ آدابٍ يرِفُّ بها ... طيرُ الفصاحِة إيناساً وتطْريبَاً

لا تعجَلِ اللَّوْمَ فيها واسْتشِفَّ لها ... معنىً يرِفُّ وينْدَى بَيْننا طِيبَاً

وربَّما أفصحتْ من بعد عُجْمتِها ... وعاد تَرْجيعُها مَدْحاً وتشبِيباَ

فعادَ سَمْعُك مِئناسَ القريضِ بها ... فليس يأْلُوك إبْداعاً وتهْذيباَ

فحيث ما جُلْتَ تلْقَى روضةً أُنُفاً ... منا ومسكاً على الأرْجاءِ مَنْهوبَا

ومُتْرَفاً لم يزل بالدَّلِّ مُنْتطِقاً ... بالطَّرْفِ مُتَّشِحاً بالحسن مَعْصوبَا

ومن حبيث لا روضةٌ عند العَيانِ ترى ... فيها ولا مُسْمِعا يشْدُو ولا كُوباَ

وإنما هو تَمْويهٌ على نَسَقٍ ... تخالُه شارباً للذهنِ مشروبا

الشِّعر ضربٌ من التَّصوير قد سلَكتْ ... فيه القرائحُ تدْريجاً وترْتيباَ

فالروضُ روضُ السَّجايا طاب منْبَتُها ... والزهرُ زَهْرُ الثَّنا نُهْديه مَرغوباَ

والكأسُ كأسُ الوداد المحْضِ مُرتَشَفاً ... والحسنُ حسنُ الوفَا تلقاه محبوباَ

والطيرُ طيرُ بيانٍ ظلَّ مُغْترداً ... طُوبَى لمن بات يقْرِى سمعَه طوبَى

والسجعُ طِيبُ حديثٍ ظلَّ جوهرُه ... بين الأخلَّاء منْثوراً وموْهوباَ

وتلك أوصافُ مَن طابتْ مَكاسِرُه ... ومن غدا جوهراً للفضلِ منْخوباَ

أعْنِي به حمزةَ الرَّاقي إلى شَرَفٍ ... يرى به كوكب الجوْزاءِ مَجْنوبا

من راح مُنْتدِباً للفضل يجمعُه ... والعُرْفُ يصنَعه بدءا وتسَبيباَ

والمَكْرُمات غدَتْ في طبعِه خلُقاً ... ونِحْلَةُ الودِّ دَأْباً منه مَدْؤُوباَ

إليك يا مَوْئل الآدابِ غانيةً ... تُهْدِى ثناءً كأنفاس الرُّبَى طِيبَا

رَفِّهْ بعَيْشِك سمعَ الوُدِّ منك بها ... وأولها بجميلِ القولِ ترحيباَ

<<  <  ج: ص:  >  >>