وقوله في تشبيه الياسمين: أو صلبان إلخ، من قول ابن قرناص:
انْظُر إلى خَيْمةٍ وقد نُصِبَتْ ... خضراءَ عند الصَّباح مُبيضَّهْ
كأنها قُبَّةٌ لِراهبةٍ ... وقد كستْها صُلْبانُ من فِضَّهْ
ومن التشابيه في البنفسج قوله:
بَنَفْسَجٌ بذَكِىِّ المسك مخْصوصُ ... كخَدِّ أغْيَد بالتخْميشِ مقروصُ
وقال آخر: بنفسج كآثار العض، في البدن الغض.
وقوله: وشقيق، كأنه أقداح العقيق إلخ، هذا نقل فيه تشبيه الآذريونة من بيت قيل فيها، وهو:
وحَوْل آذَرْيُونةٍ فوق أُذْنِه ... ككأِس عقيقٍ في قرارتِه مِسْكُ
وضمير حول يرجع إلى المحبوب.
والآذريون: نور أصفر، معرب آذركون، أي لون النار، والعرب كانت تجعله خلف أذنها تيمناً.
وأصله أن أردشير ابن بابك، كان يوماً بقصره، فرآه فأعجبه، ونزل لأخذه فسقط قصره، فتيمن به.
وهو نور خريفي، يمد ويقصر.
قاله الشهاب، في شفاء الغليل.
وقال غيره: وهو ورد مدور له أوراق حمر، في وسطه سواد، له نتوء وارتفاع، فيشبه بكأس عقيق كالأول، وقد يكون أصفر، وعليه قوله الآخر: وآذريون كأنهن مداهن عسجد، على سواعد زبرجد، إلخ.
وهذا حلٌ لأبيات لابن المعتز:
سَقْياً لروضاتٍ لنا ... من كلِّ نَوْرٍ حالِيَهْ
عيونُ آذَرْيُونِها ... للشَّمس فيها كالِيَهْ
مداهِنٌ من ذهبٍ ... فيها بقَايا غالِيَهْ
والمداهن جمع مدهن.
قال الجوهري: المدهن، بالضم لا غير: قارورة الدهن، وهو أحد ما جاء على مفعل، مما يستعمل من الأدوات، والجمع المداهن.
ومعنى كلاءة عيون الآذريون للشمس، أنها تستقبلها وتدور معها حيث دارت.
وقوله: سنبل لازوردي الأديم، قد استعمل هذا التشبيه في مقطوع له مشهور، يقول فيه:
أصبْح السُّنْبُلُ الجَنِىُّ لديْنا ... فوق سُوقٍ فيها النَّدَى يتردَّدْ
كشُنوفٍ لُطْفنَ من لازَوَرْدٍ ... عُلِّقتْ في مَراوِدٍ من زَبَرْجَدْ
وله في السنبل أيضاً:
وسُنْبُلٍ وافَى على سُوقِه ... غِبَّ الحَيَا في زُرْقةٍ لا تُحَدّ
مَكْفوفِة الحافاتِ زَهْراتُه ... مَذْرُوبة الأوراق في كلِّ يَدْ
كأنما تَعْقِيف أطرافها ... مَحاجِنٌ صيِغتْ من الَّلازَوَرْدْ
وله أيضاً فيه:
يا حُسنَه من سُنْبُلٍ ناصعٍ ... يْبدو لنا في قائمٍ أخْضرِ
كأنَّه من حَوْلِ زَهْراتِهِ ... زَرَافِنٌ صُفَّتْ من العَنْبَرِ
ومن تشابيهه النادرة، قوله في الورد:
وأقْبل الوردُ من بُرْعُومه خَجِلاً ... يُبْدِي لنا فوق رَيَّا نَشْره العَبِقِ
دراهماً من يواقيتٍ على قُضُبٍ ... تراكمتْ تحت دِينارٍ عل طَبَقِ
وقد أحاطتْ لِرقْصِ الدَّسْتبَنْد بها ... من الزَّبَرْجَد حِيتانٌ من الوَرِقِ
البُرعُوم، والبُرْعُم، والبُرعُمة والبُرعُومة، بضمهن: زهرة الشجرة قبل أن تنفتح.
ورقص الدستبند: معروف للعجم، يأخذ بعضهم بيد بعض، يقال له الفنزج، بفتح الفاء.
ولقد أتى بأبدع ما يستعذب ويستغرب.
ومنزعه في هذا ما في كتاب ازدهار الأزهار للشقاشقي، حيث أنشد فيه:
وقد فتح الوردُ جُنْبُذاً بَهِجاً ... يكاد منه الدينارُ ينْسبِكُ
عقِيقُ أوراقِها على ذهبٍ ... يحْمله من زَبَرْجَدٍ سَمَكُ
قال: لم أسمع في زر الورد الأخضر، الحاوي للزهر الأحمر، أبدع من هذا التشبيه، بل لم أسمع فيه شيئاً البتة غيره، وهو من بدائع التشبيهات، ورائع التوجيهات، التي يطرب عليها الأديب، ويهتز لها العاقل الأريب.
وقد أغار عليه الأمير طاهر، فقال:
انْظُر إلى الورد الجَنِيِّ ... كأنه الخَدُّ المُورَّدْ
من حوِله وَرَقٌ كحي ... تانٍ خُلِقْنَ من الزَّبَرْجَدْ
وما يستبدع ويستظرف، قوله في تشبيه المضعف:
ونَرْجِسُ الروضِ قد حَيَّ بمُضْعفِه ... في أصفرٍ فاقعٍ مع أبْيَض يَقَقِ
كأنه وهْو في قُضْبٍ مُنعَّمةٍ ... يُلْقى النسيمُ عليها نفسَ مُعتِنقِ