للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلِّ عنَّا ذكر ابن سيفا ومعنٍ ... إنما يطلب الغريمَ الغريمُ

ما لنا والحروب نحن أناسٌ ... ما لنا طاقةٌ بشيءٍ يضيم

همُّنا شربنا الطِّلا وهوانا ... من قديمٍ هذا الشَّراب القديمُ

اترك النَّاس في يصير ويجري ... ويجيبوا ويقعدوا ويقيموا

واسقنيها واشرب ثلاثاً ثلاثاً ... هكذا حكمها وأنت حكيمُ

لا تصل بالصَّبوح غير غبوقٍ ... وتجنَّب في شربها من يلوم

إنَّ كلَّ الحياة كأسٌ مدارٌ ... ونديمٌ حلوٌ وساقٍ كريمُ

وابن سيفا هو الأمير يوسف ذلك الذي بلغ السُّها بجده، وكان أخا السيف في لألائه ومضاء حده.

من أسرة طلعوا كأنابيب القنا نسقاً، وفاحوا كأزاهير الرياض عبقاً.

فإن غابوا عن العيان تراءوا مشاعل في السرى، وإن ظهروا رأت النواظر بهم الثريا في الثرى. ما منهم إلا جواد شهدت بسبقه ميادينه، وأديبٌ حب الأدب شرعته ودينه.

وكانوا ولاة طرابلس الشام وحكامها، وبقائم سيفهم تولوا صيانتها وإحكامها.

حتى وقع بين كبيرهم هذا وبين الأمير فخر الدين بن معن، ذاك الغادر الذي قتل الراعي وساق الظعن.

فجرت بينهما حروبٌ لم يحصل أحدٌ منهما على وطر، وبقي الأمر بينهما مدة في تناكر مفضٍ إلى خطر.

ثم خرج في أثناء ذلك ابن جانبولاذ الذي جاهد في الخلاف وجاهر، وكاشف بالانحراف على السلطنة وكاشر.

فانضم إليه ابن معن وحزبه، الذين تدرعوا جلود الحيات، وأقاموا آلات حربهم مقام أنمل التحيات.

وكان من أمر الله أن الأمير يوسف جهز عليهم، ووصل بجموعه التي يقدر أن يغل بها جيش المصائب إليهم.

وهممه معلقة بالأثير، محلقة على فلك التدبير. غير أن يد القدر فوق التقدير، وما يصنع المرء إذا وقع في البير. فلما تقابل الجيشان تمت على ابن سيفا الهزيمة وانحلت منه تلك العزيمة. وفر من ذلك المكان إلى دمشق، فأقام بها مختفياً أياماً، وهو من وساوس وهمه لم يطعم مناماً. فقصدوه متتبعين زلة قدمه، وطالبين بسيف الاعتداء سفك دمه. فدخل بينهم أهل دمشق وأطفأوا تلك النائرة، وأخمدوا ببرد الصلح تلك الفتنة الثائرة.

بمال حملوه إلى القوم، وسلموا به من المحذور واللوم. وانقلب ابن سيفا إلى وطنه، وهو شاكٌّ من ضيق عطنه. وتبدل تبسمه ذاك بالقطوب، ونال القلوب كمد خطبه الذي لا كالخطوب. ومن ثم حالت بدولة بيته الأحوال، ولم تطل أيامهم حتى أذنت شمسها بالزوال. فعلى ما تضمنهم من تلك الأريحية، أزكى السلام من الله تعالى والتحية. وهذه الجملة وقعت في الأثنا فكانت باعثةً على ما هو طلبتي من الثنا.

وأرجع إلى ما أنا بصدده أمدني الله بمدده.

ومن شعر الأكرمي قوله في خمريته:

كم جلونا في ليلة الفطر والأض ... حى على قاسيون بكر الدنان

وشربنا في ليلة النصف من شع ... بان صرفاً وفي دجى رمضان

ونهار الخميس عصراً وفي الجم ... عة قبل الصلاة بعد الأذان

وسقانا ظبيٌ غريرٌ وغنت ... ظبيةٌ تستبيك بالألحان

وسبحنا في غمرة اللهو والقص ... ف على طاعة الهوى والأماني

ولعمري لقد سئمنا من الغيِّ ... وعفنا من كثرة العصيان

لم ندع مدَّة الصِّبا للتصابي ... من طريقٍ مهجورةٍ أو مكان

قد أطعنا غيَّ الشَّباب بجهلٍ ... فاعفُ عنَّا يا واسع الغفران

ومن مقاطيعه قوله:

ربَّ رامٍ عن مثل حاجبه ... بمثل ألحاظه لمغرمهِ

سمَّى بغيري مفوِّقاً ودمي ... فرحت وحدي صريع أسهمه

وقوله:

قلت إذ لام في العذار عذولي ... وهو في الخدِّ للهوى عنوانُ

إنَّ ورد الرِّياض أحسن ما ... كان إذ دار حوله الريحانُ

وقوله في دولاب الماء:

ودولابٍ يئنُّ أنين صبٍّ ... كئيب نازح الأهلين مضنى

تذكَّر عهده بالرَّوض غصناً ... ومحنة قطعه فبكى وأنَّا

وما يدري أترديدٌ لمعنًى ... شجاه أم حنين جوى المعنَّى

وقوله معمياً باسم يوسف:

وشادنٍ كالقضيب عطفاً ... أطال في صبِّه عناهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>