للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتنازعته الحظوة بين الأماني والأمان، ولم تدع له أيامه مقترحاً على الزمان.

وكان له أخ أكبر منه، إلا أنه في ناحية، ولا أرى ذاك إلا الشمس المنكسفة وهذا الشمس الضاحية.

وله في المحاضرة محاسن غلبت على الأقمار التمائم، فهي زهر لها المحاسن بروج وزهرات لها القلوب كمائم.

فأين حل فالمحل به أنيس، وهو إذا فارقه عليه حبيس.

وله شعر أزهى من الزهر، وأبهى من الحباب على النهر.

فمنه قوله:

ذا ربعُ دَعْدٍ بالأجارِع فارْبَعِ ... إن كنت مَن يرعى حقوقَ الأرْبُعِ

لي مقلةٌ تسقِى الطلولَ ومَسْمَعٌ ... يدعو حمائمَهنَّ قُولِي أسمعِ

فأنا المُجيبُ لهنَّ عن شجْنٍ وهُنَّ ... سَجعْن عن طربٍ وفَرْطِ توجُّعِ

ما الصادحُ الجَذْلانُ مثل النَّادبِ الْ ... وَلْهانِ ذا دَاعٍ وذلك مُدَّعِ

ولقد حبسْتُ على الديار ركائبي ... والركبُ بين مُودِّعٍ ومُودَّعِ

وكلاهما يرضى بأن يقْضِى أسىً ... ويكونَ غيرَ مُشيِّع ومُشيَّعِ

فلكم جَرعْنا الوجدَ مُرّاً طعُمه ... لما تَزايلْنا غداةَ الأجْرعِ

هي وقفةٌ في الدار لا بَلَّتْ صَدَى ... قلبي ولا أرقْيتُ فيها أدْمُعِي

ماذا الذي يُجْديك نَدْبُ معاهدٍ ... أسَدتْ بها هُوج الرياح الأرْبَعِ

سكانُها نقضوا العهودَ وضيَّعوا ... يا حافظاً للعهد غيرَ مُضيِّعِ

فاشْمَخْ بأنْفِكَ عن أُناسٍ خلَّفوا ... ما أوْعدوك وحبلَ وُدِّهمُ دعِ

واشكرْ لأغْربةٍ نعَبْن بِبَيْنهِم ... من أسودٍ يدعو الزَّيالَ وأبْقعِ

واصدِف عن البرْق اللَّمُوع بأرضهمْ ... وارقُدْ قريرَ الجَفْنِ غيرَ مُروَّعِ

من شاقه ريحُ الشَّمالِ فإنني ... لم أُعْطه وجهاً ولم أتطلَّعِ

لاساعَد الرحمنُ قلباً ذاكراً ... أيامَ مَن خان العهودَ ولا رُعِى

الناسُ بين مُجاهرٍ لك في الأذى ... ومُوارِبٍ تْغلى ضمائُره فَعِ

أغفلتَ رأيَهم ورُمْتَ رشادَهم ... أنت الملومُ فذُقْ أذاهم واجْرَعِ

قابلتَ جهلَهم بحِلْمٍ واسعٍ ... قل للفَوادحِ عند ذلك توسَّعِي

الفَتْكُ عينُ الرأيِ في تدْبيرهم ... لو لم تكنْ لله لم تتورَّعِ

خُلِقوا من الشرِّ الصريحِ وصُوِّرا ... شَرَّ الورى سكنوا بشرِّ الموضعِ

ما للزمانِ جرى على عاداتِه ... في رِفعةِ الأدْنى وخفضِ الأرْفعِ

وبنُوه قد جُبِلوا على أفعالِه ... فالحر بْينهم بحالٍ أشنعِ

دهرٌ قضى أن لا يطيبَ لماجدٍ ... قُل للَّيالي ما بدا لكِ فاصْنعِي

فاعْرِض عن الدهرِ الخؤونِ وأهلِه ... وافْرَغْ إلى ربِّ البرايا وارْجعِ

وقوله من أخرى، كتب بها إلى محمد الكريمي:

نراجع إلى الفضلِ أهلَ الكلامْ ... ونأخذُ عن كلِّ حَبْرٍ هُمامْ

ونسألُ مِن ساحِة الأكرمين ... ونخضعُ للمجد لا للأنامْ

فنتْبع من رفعتْه النفوسُ ... ونترُك من قدَّمتْه اللئامْ

فأختارُ طوراً زوايا الخمولِ ... وطوراً أحبُّ الأمورَ العظامْ

تراني على كلِّ حالٍ أُرَى ... أسيَر الهوى ومليكَ الغرامْ

وما جرعَةُ الحب إلا المَنونُ ... وما لوعةُ الهجرِ إلا الهُيامْ

وما راحةُ العشقِ إلا العَنا ... ولا صحةُ الصَّبِّ إلا السَّقامْ

ولي حَسرةٌ بعد أخرى لها ... زفيرٌ ولي له انْحسامْ

يُذيب الحشا ويُثيِر الشُّجونَ ... بنارٍ غدا وَقْدُها كالضِّرامْ

وهل للهوى غيرُ مَن ذاقه ... فَنشكْو له مُرّ سَمْع المَلامْ

<<  <  ج: ص:  >  >>