للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذُبْ يا فؤادي بنارِ الجوَى ... فكم ذا نهيْتُك عن ذا فلَمْ

أما آن أن يْنقضي ذا القِلَى ... وما آن منك أوَانُ الكرَمْ

وكتب إليه بشير الخليلي، يسأله عن بيتين للمتنبي، بقوله:

أيا مَن غدا في البَرايا فريدا ... وفي العلم رُكْنا مَنِيعاً مَشِيدا

ومَن صار قُسُّ الذَّكا باقِلاً ... لديْه وأضْحى لَبيدٌ بَليِدَا

يقول أبو الطيِّب المُجتَبى ... وأعنى الإمامَ المجيدَ المُجِيدَا

طلبْنا رِضاه بتَرْك الذي ... رَضِينا له فتركْنا السجودَا

ومنها له آخر بعده ... وجدْناه صعبا لدينا عَنِيدَا

كأن نَوالَك بعضُ القضاءِ ... فما نُعْطَ منه نَجِدْه جُدودَا

فأوضِح لنا وجه معناهما ... بقيتَ على الدهر صَدْرا مُفيدَا

ولا زلتَ تُوضِح للمشكلا ... تِ ما نظَم الناظمون القَصِيدَا

فأجابه بقوله:

رِضاهُ السجودَ لممدوحِه ... وممدوحُه ليس يرضى السجودَا

ومعنى السجودِ الخضوعُ كما ... أتى لغةً مستفيضا وُرودَا

فمن حُسْن أخلاق ممدوحِه ... خضوعَ الأنام له لن يُريدَا

وعِزُّ مَقام له مقتضٍ ... يكون الخضوعُ وجوبا أكيدَا

ولكن أرى تركَه للرِّضا ... به لابذاك صوابا سديدَا

وبيتُ النوالِ جديرٌ بأن ... تميل إليه فؤادا وفودَا

فمعْنى الجُدود الحُظوظ التي ... تسيءُ بُخوتا ويَعني السُّعودَا

فما يُعْطَ ليس بحقٍّ له ... ولكن يراه اعتقاداً جُدودَا

وإن القضاءَ لكل الورى ... على مقتَضى تلك فضلاً وجُودَا

وقبل العطاءِ بلا مُوجبٍ ... هو الفضلُ إن تَبْغِ منه الورُودَا

فشابَهَ نفسَ القضا فعلُه ... وهذا بليغٌ فخُذْه مُفِيدَا

وله من قصيدة مدح بها مفتى الروم يحيى بن زكريا:

أقَرِيحتي لَمن الخطابُ تنهبَّنِي ... وتثبَّتي في القول لا تتبلَّهِي

هو للذي الأكابدُ تُضرَب نحوه ... من كل فَجٍّ تْنتهي إذ تْنتِهي

وبه استوى صُلْبُ الشريعة قائما ... في كلِّ إقْليم وصُقْع فْهىَ هِي

مهلاً رُويداً رائدَ الروم اتَّئِدْ ... وبِه بِه لك إذْ تراهُ بِه بِه

واحملْ ثَنائي إنَّ وَهْني عاقنِي ... عن أن أكون أبا المَضا بتوجُّهِي

مع أنني مع ذاك لا أدعُ الذي ... يُرْضِى الإلهَ وفيه عينُ تفكُّهِي

فحديثُه المَرْوِىُّ فيه وإن نأَى ... ما أكْتفِي ما أشْتفِي ما أشتهِي

قوله: فهي هي، أي عين الشريعة.

وهذا الأسلوب، إما يختلف فيه الضمير فيرجع الثاني إلى المذكور سابقا كما هنا، وإما أن يعاد بعينه.

قال الشريشي: الأسباط إخوة يوسف عليه السلام، وهم وهم.

أي، وهم أنبياء لم يتغيروا عن مراتبهم.

ويقال: هو هو أي كما عهدته لم يتغير، انتهى.

وقوله: فحديثه إلخ، في هذا البيت أسلوب لطيف، وهو أن تذكر لفظاً بعده ألفاظ يتعلق كل منها به، مع اختلاف المعنى، فالتقدير فيه: ما أكتفى فيه، ما أشتفى فيه، ما أشتهى فيه، وهو من البدائع.

والأصل فيه قول الصاحب ابن مطروح:

لا أرْعَوِى لا أنْثني لا أنتهِي ... عن حبِّه فْليَهْذِ فيه من هَذَى

ومن مقتطعاته قوله في تشبيه الزنبق الذي يوجد في ساحل البحر الشامي، ونواره أبيض، قطعة واحدة ليس متفرقا:

وزَنْبَقةٍ قد أشبهتْ كأسَ فضةٍ ... برأسِ قضِيب من زُمُرُّدةٍ عَجَبْ

سُداسِيُّ شكلٍ كلُّ زاويةٍ به ... على رأسِها الأعلى هلالٌ من الذهبْ

وقوله متغزلاً في الخال:

بالخدِّ منه شَقِيقٌ جلَّ واضِعُهُ ... أعْيَى الورى فيه شاماتٌ بحُمْرتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>