للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عصره كابتسام البرق إذا خفق، والصبح إذا تكشف عن الشفق.

لم يتعلق أرج الكرم بغير أثوابه، ولم يتعشق صب الثناء إلا تراب أبوابه.

وأهل الأدب يروحون إليه على وجد ويغدون على وجد، ويتنافسون على مدائح أخلاق خلقن من محض المجد.

وهو مع شغله بالمنصب، وتشتت فكره بغرض المتعصب.

لا يخلو من مطارحات تدل على ندماء مجلسه بإيرادها، ومناظيم يجلو بها عليهم الحور العين في أبرادها.

وشعره مثقف المباني، له اتحاد بالمثالث والمثاني.

أبرزت منه إلى العيان، ما هو ألذ من عزف القيان.

فمنه قوله من قصيدة يشتكي فيها من الزمان:

حاديَ العِيسِ سِرْ بغير ارْتيابِ ... ففؤادي قد حَنَّ للاغْترابِ

لا أُرِيد الأوطانَ والذلَّ فيها ... واضِعاً طوقَه بأعلى الرِّقابِ

ولو أنِّي قضَّيتُ فيها سروراً ... في شبابي لم أكتئِبْ لمُصابِي

بل تولَّتْ نَضَارةُ العمرِ منّي ... بين عَيْشٍ ضَنْكٍ وفَرْطِ اكْتئابِ

فالفرارَ الفرارَ من دار هُونٍ ... تركَتْني أشكو زمانَ الشبابِ

وإذا الضَّيْم ما أقام فأحْبِبْ ... بجيادٍ تمُرُّ مَرَّ السحابِ

لم يكن في مُقامِ ذَ اللُّبِّ فضلٌ ... قطَع السيفُ وهْو ضِمْنُ القِرابِ

أدرَك المسكُ بالتنقُّل شأْواً ... وهْو في أرضِه دُوَينُ الترابِ

فالفتى الشهمُ من إذا شام ضَيْماً ... لا يُبالِي بفُرْقة الأحبابِ

منها:

كيف مُكْثي ما بين أظْهُر قومٍ ... عهدُهم في ثَباتِه كسَرابِ

جارُهم إن غدا عزيزاً عليهمْ ... كان كالشَّاةِ في مَقِيلِ الذئابِ

هم إذا صادَرُوا أسودَ شَراءٍ ... وإذا حارَبوا فدون الكلابِ

كم أناسٍ من دارِهم أخرجوهمْ ... ليسُومُونهم بسوءِ العذابِ

إن فِرْعَوْن ثم نَمْرودَ كانا ... دونهم في اخْتراع سوءِ العذابِ

ومَساوِيهمُ التي مِثْلُ هذا ... عَدَدُ الرملِ والحصا والترابِ

ربِّ يا من أباد عَاداً وأوْدَى ... بثَمُودٍ ذوِي النفوسِ الصَّعابِ

لا تذَرْ منهمُ على الأرضِ شخْصاً ... إنهم جاحدون نَصَّ الكتابِ

وانتقِمْ مُسرِعاً وعجِّلْ عليهمْ ... ليس فينا صبرٌ ليوم الحسابِ

قوله: " قطع السيف " إلخ. من قول بعضهم: السيف لا يقطع في قرابه، والليث لا يفترس في غابه.

وقوله: " أدرك المسك "، من قولهم: المندل الرطب حطب في أوطانه، والمسك دمٌ في سرر غزلانه.

وله من قصيدة أخرى، أولها:

تبَّدتْ فأضْحى البدرُ في الأُفْق غائباً ... وشامَتْ فوَلَّى الظَبْيُ في البِيدِ هاربَا

رَبِيبةُ خِدْرٍ يحرس الحسنُ وجهَها ... بسهمِ لِحاظٍ يجعل يجعل القوسَ حاجِبَا

إذا ابْتسمتْ عن صُبْح ثَغْرٍ مُنوَّرٍ ... تُشاهد منها في النهار كواكبَا

وإن برزَتْ في أسْود الشَّعْرِ ضحْوةً ... رأيتَ الدجى للصبحِ أضحى مُصاحبَا

فما دَوْحةٌ سَقى النَّدَى نَسْجَ بُرْدِها ... وحاكتْ حِبالُ الشمس منه جَلائبَا

مُلوَّنةٌ من خَيْط ليلٍ وفجرِه ... مُنوَّعةُ الألْوانِ تُبْدِي العجائبَا

إذا سائلُ الغُدران حَنَّ صَداؤُه ... وطائرُها المَيْمون غنَّى مُجاوِبَا

بأبْهجَ منها حُلَّةً وطَراوةً ... وأخْصبَ مَرْعىً من حِماها وجانبَا

لها لا لِعَزّ حُقَّ وَصْفُ كُثَيِّرٍ ... وتَوْبة في ليْلَى أعادتْه كاذِبَا

صدق توبة ليلى مشهور، وأصله ما روي أنه لما شغف بها، واشتهر أمره وأمرها به، قال:

ولو أنَّ ليلى الأخْيَلِيَّةَ سلَّمتْ ... عليَّ ودوني جَنْدَلٌ وصفائحُ

لسلّمتُ تسلِيمَ البَشاشةِ أوزَقا ... إليها صَدىً من جانب القبر صَائحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>