للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو قرع إبليس بهجوه لتاب، أو رمي مارد بجذوةٍ منه لذاب.

وكله إذا فتشت فيه، وساوس أغراضٍ يمليها فكره على فيه.

فمكواته لا تفارق النار، وإذا جهل فعلى أعلى المنار.

بفكرٍ يرد السيف مثلماً، والرمح مقلما.

ويصير القمر للعمر هادما، ولا يدع الواصف للعسل بقيء الزنانير نادما.

ولقد رأيت أهاجيه مرارا، فأعرضت عنها تقطباً وازورارا.

لأن نحسها أدى إلى رداه، ومكن من وريده حسام عداه.

فكان كالباحث عن حتفه بظلفه، وترك من لا يرد سهام ملامه وتقريعه من خلفه.

وهو على بذاءة لسانه، يجيد في التغزل بحسن القول وإحسانه.

وكل معنىً مبتكر، لا تحوم حول حماه الفكر.

فمنه على ما عربته:

أسَرْتَني بلَحْظِ طَرفٍ ساحرِ ... أوْقعتنِي فيه بقَيْدِ الناظرِ

باللهِ صُنْ صائلَ الفَرْعِ ولا ... تُخلِّني في هَمِّ قيدٍ آخَرِ

عبد الباقي، المعروف بوجدي السيف القاطع، والكاتب المتناسب المقاطع.

أي وقارٍ في تلطف، وأنسٍ مع حسن تعطف.

إلى خلق كما هبت صبا نجد، وطبعٍ يمتلي به المشغوف وجداً على وجد.

وهو في الأدب ممن بعد شأوه، وله شعر يعلم منه مقداره وبأوه.

منه ما عربته:

ما تراءَى لي ذلك الوجهُ إلاَّ ... قام فيه لَوْنُ الحَيَاءِ نِقابَا

عجباً من سَواد مِرْآةِ حَظِّي ... قابلتْ نُورَه فصار حِجابَا

نائلي رب فصاحةٍ وبراعة، وفارس دواةٍ ويراعة.

نبغ وتفوق، وتصفى كأس أدبه وتروق.

وراح في الحلبة واغتدى، واكتسى بأحسن الحلة وارتدى.

وما زالت تعله الرياسة وتنهله، والدهر ييسر أمله الأقصى ويسهله.

حتى استقامت أسبابه، وتمتعت حيناً برونق أيامه أحبابه.

على توفر حظوظٍ شارقة، وإخفاق سحب أمانٍ بارقة.

وهو في الأدب ممن استحسن منزعه، واستعذب من مثله مشرعه.

وطبعه في الشعر العارض إذا هتن، وما أرى إلا أنه أراد أن يشعر ففتن.

فمما عربته من بدائعه قوله:

أيها الطالبُ شمسَ الأُفْقِ منْ ... مسكنٍ عزَّتْ به وامْتنعتْ

ارْجُ قُرْبَ الوصل إن الشمسَ في ... شَرَكٍ من عارضيْه وقعتْ

فهيم شابٌّ شب في حجور الآداب، وتعلق من الشعر الغض بتلك الأهداب.

فجاء منه بما تستعير لطفه الشمائل، وبرق به النسيم إذا سرى بين الخمائل.

وقد تغرب في عنفوان شبابه، وغاص في بحبوحة التفنن وعبابه.

فأرضعته الحنكة بلبانها، وأدبته الدربة في إبانها.

فكان أبرع من أورد اليراع في محبرة، وهز غصنها في روضة طرسٍ محبرة.

إلا أنه كان لا يقتصر على سمت، ولا يخلو من انحرافٍ وأمت.

وقد نزع إلى سلوكٍ ورياضة، واستحسن عن الزخرف بالخشن تبدله واعتياضه.

وله ديوان شعر موجود بأيدي الناس، وأكثره غزليات من أدق رقى الوسواس الخناس.

فمما عربته منها:

عجبتُ من لَحْظِ ظَلومٍ في السَّطَا ... يُعلِّم التظلُّمَ المظْلومَا

سليمان، المعروف بمذاقي ظرف الظرف، وقوة الطرف.

وزاملة النتف، وأطروفة الطرف.

كنه الأخبار حديثاً وقديما، فلهذا اتخذه الكبراء جليساً ونديما.

فهو على القدح ريحانة، وفي الكأس سلافة حانة.

وكان مولعاً بالصناعة، ولديه منها توسع في البضاعة.

فهو قمريٌّ التصوير، شمسي التأثير، ومحله ما بين فلك عطارد والفلك الأثير.

وله شعر عذب المساغ حلو المذاق، ورتبته في الأدب رتبة المهرة الحذاق.

فمما عربته من كلامه:

ما أخْجلَ الحِبَّ عَتْبُ صَدِّ ... جَنَى به الطَّرْفُ وردَ خَدِّ

بل أشعلَ الحسنُ فيه جمراً ... قطَّر للرِّيق ماءَ وردِ

قلت: هذا معنى لطيف.

ولأبي الطيب صالح النقري من شعراء المركز، ما هو منه من أبيات:

أنْضجْتُ وردةَ خدِّه بتَنَفُّسِي ... وظلَلتُ أشربُ ماءَها مِن فِيهِ

وحليت من شعره: كثيراً ما يغم العاشق فكرٌ يتصور في خياله، والمعشوق في شغلٍ عنه يمنعه أن يمر بباله.

وقس على هذا الحال المعارف يتوقع منهم المكروه، وأما الأجانب فالمرء آمنٌ مكائدهم من كل الوجوه.

نابي هو الآن في الأحيا، يوازن بمكارمه الصيب إذا حبا وأحيى.

آخذٌ بأسباب المحاسن جملةً وتفصيلا، ومستوعبٌ أدوات الفضائل غريزةً وتحصيلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>