ولا غَرْوَ في أن يَسْتبين رشادَه ... وقد بَان في دَيْجورِ عارِضه الصُّبْحُ
شموسُ نهارٍ قد تجلَّتْ لناظرِي ... وأضْحَتْ لليلِ الغَيِّ في خَلَدِي تمْحُو
إذا كان رأسُ المالِ من عمرِيَ انْقضَى ... ضَياعاً فأَنَّى بعده يحصُل الرِّبْحُ
شبابٌ تقضَّى في شبابٍ وغِرَّةٍ ... وشيْخوخةٌ جاءتْ على إثْرِه تنْحُو
ومن مقاطيعه قوله:
سقتْني رُضابَ الَّغْرِ من دُرِّ مَبْسَمٍ ... برِقَّتِه واللهِ قد ملكَتْ رِقِّي
ونحنُ بروضٍ قد جرى الماء تحتَه ... فساقيةٌ تجْرِي وجاريةٌ تَسْقِي
ولده عز الإسلام محمد بن عبد الله بن شرف الدين هو في كرم العنصر، واحد الأزمنة والأعصر.
إذا رام مسعاةً أدركها قبل ارتداد طرف، وإن سام منقبةً ملكها بغير إنضاء ضامر وحرف.
فماء الفصاحة لا يجري في غير ناديه، وينابيعه لا تتدفق إلا من أياديه.
كم حبر الطروس ففضحت أزهار الرياض، وجلت على الأبصار فلم تر أحسن من ذلك السواد والبياض.
دُرَرٌ تناثَرُ من بديعِ كلامِه ... مُسْتغرِقٌ جُمَلَ المديحِ بوَصْفِهِ
لا تعجبُوا من نَثْرِ أقلامٍ له ... دُرَراً وقد غاصتْ بلُجَّةِ كَفِّهِ
وقد أثبت من ىثاره ما امتزج بالبراعة امتزاجا، وصار كلٌّ منهما لصاحبه غذاءً ومزاجا.
فمن ذلك ما كتبه إلى والده: مطالعة المملوك طليعة باله، ولسان حاله، وترجمان بلباله.
وحديث سره، وبيان خبيئة صدره.
ومظهر غليل برحائه، ومصدر دخيل دائه.
عبرة أجرتها عين جنانه، في عبارة لسانه، وزفرة صعدتها لوعة أشجانه، في إشارة بنانه.
مهجةٌ أهدتها في أثناء سلامه، لهبة أوامه، وحشاشةٌ أسالتها نار غرامه، في لسان أقلامه،
هي نفسٌ أودَعْتها نفَس الشَّوْ ... قِ وقلبِي تجْرِي به الأقْلامُ
وهْي دمعٌ يفيضُ من لوعةِ البَيْ ... نِ ومن أدْمُعِ المَشُوقِ كلامُ
بل هي رجع صدىً أو وسواس الشوق والنزوع، ومجرى الزفرات المرددة من وهج الضلوع.
برهان ما أكن من الداء الدفين، وعنوان ما أجن من كلف الفؤاد الحزين،
وهْي مرآةُ صفاتِي إنَّما ... أتَراءَى لك في مِرْآتِهَا
وإذا ما شاهدتْها مُقْلةٌ ... شاهدتْ نَفساً على عِلاَّتِهَا
مرآة نفسٍ رقت وجداً وكآبة، ولم تدع منها صبابة الفراق غير صبابة.
فلو أنها عرض لكان جوىً في فؤاد مهجور، أو لوعةً في ترائب مصدور.
ولو كان قلباً لثوى في جوانح عاشق، أو دمعاً لما جرى إلا من محاجر وامق.
ولو أنه جرم لكان ياقوتة راح، أو جوهر لما كان إلا من جواهر الأرواح،
رقَّ قلبِي ومَدْمِعي ... من جَوَى البَيْن والنَّوَى
واسْتوَى قلبيَ المشو ... قُ وشِلْوِي من الجَوى
أنا صَبٌّ على الصَّبا ... بةِ قلبي قد انْطَوى
ساهرُ العيْن مُقْلتِي ... تُوهِن الصَّبْرَ والقُوَى
لم يُشْقِني لِوَا الْعَقِي ... قِ ولا جِيرةُ اللِّوَى
لا ولا غَرَّني الصَّبا ... بالحديثِ الذي رَوَى
ما شجانِي هوَى الغزا ... لِ ولا البدرُ لي هوَى
ليس بي ذابِلُ القَوا ... مِ إذا مال واسْتوَى
لستُ أنْوِي هوَى المِلا ... حِ وللمرءِ ما نوَى
إنما دائِيَ الذي ... قد تمادَى فلا دَوَا
وغليلِي الذي إذا ... بَلَّه الماءُ ما ارْتَوى
من فِراقي لكعْبةِ الْ ... عِلْمِ والحِلْم لا سِوَى
أرْوَعٌ يبْهر الورَى ... حسَن السَّمْتِ والرُّوا
ألمَعِيٌّ به يقو ... مُ من الأمرِ ما الْتوَى
سيدٌ راح والفَخا ... رُ على رأسِه لِوَا
بدرُ علمٍ يلُوح في ... أُفْقِ حِلْم فلا هَوَى
قلبُه طَوْدُ حكمةٍ ... لا كمن قلبُه هَوَى