سَرَى بأعْطافِه يُرنِّحُهُ ... فشَقَّ أثْوابَه من الطَّرَبِ
ومن محاسنه قوله يخاطب بعض السادة:
قُلْ للذين سَرَوْا والنارُ مُضْرَمةٌ ... وفيهمُ شَرَفُ الإسلامِ إذ ظَعنُوا
لا تُشْعِلوا النارَ في مَسْراكمُ فلقد ... أغْناكمُ النَّيِّران البدرُ والحَسَنُ
وله:
يا عينَ فرسانِ بني هاشمٍ ... سبحانَ حامِيكَ من العَيْنِ
صُلْتَ برُمْحٍ وبِعطْفٍ فقُلْ ... في فارسٍ جاء برُمْحَيْنِ
وله:
أقْبَلَ كالرمحِ له هزَّةٌ ... تحت قِباءٍ غيرِم َمزْرورِ
كأن ذاك الخالَ في صدرِه ... حَبَّةُ مِسْكٍ فوق كافُورِ
وله:
حدِّثاني عن النَّقِيبِ حديثاً ... وصِفَا لي شُروطَه بالعَلامَهْ
وارْوِيا لي عن جَوْهَرٍ لَفْظَ حُكْمٍ ... واجْعَلاه في جَبْهةِ الدهرِ شَامَهْ
فيصِحُّ الحديثُ من غَيْرِ سُقْمٍ ... ما رواه إمامُنا عن أُسَامَهْ
وله:
كأنها والقُرْطُ في أُذْنِها ... بَدْرُ الدُّجَى قُورِنَ بالمُشْتَرِي
قد كتبَ الحُسْنُ على وَجْهِها ... يا أعْيُنَ الناسِ قِفِي وانْظُرِي
وله في حامل ساعة:
ومليحٍ ملَك الحُسْ ... نَ جميعاً فأطَاعَهْ
جاءَنا ساعة أُنْسٍ ... إذْ حَوَتْ يُمْناه سَاعَهْ
وله في بانياني اسمه رامه:
وَلِعْتُ ببانيانِي فيه حُسْنٌ ... تظَلُّ الشمسُ عاكفةً أمامَهْ
كأن بِرِيمهِ لمَّا تبدَّى ... بريقَ الغَوْرِ في أكْنافِ رَامَهْ
وله:
قد انْقضَى الصومُ ووَلّى وقد ... أقْلَقهُ شَوَّالُ بالإرْتحالْ
في الأرضِ تَرْميه مَجانِيقُنَا ... وفي السَّما يَرْمِيه قَوْسُ الهلالْ
وله:
طَيْلَسانُ المُهذّبِ بن عشيشٍ ... هَذَّبْته الشهورُ والأعْوامُ
حاكَه مُجْتبَى النُّبُوَّةِ شِيثٌ ... هكذا قد رَوَتْ لنا الأهْرامُ
وله:
طَيْلَسانُ ابنِ عشيشٍ ذِي العُلَى ... قد بَراه الدهرُ في نَشْرٍ وطَيّ
شَيِّقٌ يُذْكِر أيامَ الصِّبا ... ما له ممَّا بَراه الشوقُ فِيّ
طيلسان ابن عشيش، كطيلسان ابن حرب، في قدم الزمان والاختلال.
وطيلسان ابن حرب صاحب الشهرة على ألسنة الشعراء.
وكان محمد بن حرب أهداه إلى الحمدوني، وكان خلقاً، فقال في وصفه قرابة مائتي مقطوعة، لا تخلو واحدةٌ منها من معنىً بديع، وصار الطيلسان عرضةً لشعره، ومثلاً في البلى والخلوقة، وانخرط في سلك حمار طياب، وشاة سعيد، وضرطة وهب، وأير أبي حكيمة.
ومن نوادر ما قال فيه:
يا ابنَ حَرْبٍ كَسَوْتنِي طَيْلَساناً ... أمْرَضْته الأوجاعُ فهْو سَقِيمُ
وإذا ما رَفَوْتُه قال سُبْحا ... نَك مُحْيي العظامِ وهْي رَمِيمُ
قلت: ومثله في الشهرة، ثوب المالقي، وفروة ابن نباتة، وصوف ابن مليك.
السيد أحمد بن محمد الأنسي شاعر صنعاء المفلق، وشهاب أفقها المتألق.
تعانى الأدب حتى سما بإحرازها، فإذا نشرت حللها الصنعائية فهو طراز طرازها.
وكان له عند أئمتها قدرٌ لا يجهل، واعتناءٌ لا يكاد حقه يهمل أو يمهل.
ثم قدم مكة ومدح شريفها، ونال من المفاخر تليدها وطريفها.
فكان غرس نعمه، الذي سقاه كرمه سائغاً هنيا، فأثمر قولاً جنيا.
وحسامه الذي حلاه، فأهدى إليه من حلاه.
وحظي حظوةً ما زال في خيرها إلى الممات يتقلب، واشتهر شهرةً أنست شهرة أخي العرب قدم على آل المهلب.
وقد أثبت من أشعاره ما يستغني في إحكام صنعته عن الحجة والبرهان، ويدل على أن قائله حاز في ميدان البراعة مزية الرهان.
فمن ذلك رائيته المشهورة التي مدح بها الشريف زيدا، وبلغني أنه أجازه عليها ألف ذهبٍ، وعبداً، وفرسا:
سَلُوا آلَ نُعْمٍ بعدَنا أيُّها السَّفْرُ ... أعندهمُ عِلْمٌ بما صنَع الدهرُ
تَصَدَّى لِشَتِّ الشَّمْلِ بيني وبينها ... فمنزليَ البَطْحا ومَنْزلُها القَصْرُ