للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرتُ بها عهدَ الصَّبابةِ والهوى ... وكنتُ تَناسيْتُ المَحبَّةَ بالفِعْلِ

زَهَتْ بك يا قُسَّ الفصاحةِ طَيْبَةٌ ... فدُمْتُ قَرِيرَ العيْنِ مُجْتمِعَ الشَّمْلِ

وقد زُرْتَ عَبْداً صادقاً في وِدادِهِ ... وشأنُ المَوالِي هكذا يا مُنَى السُّؤْلِ

ولكنْ على حَظّي العِتابُ فإنه ... على جَمْعِ شَمْلِي بالأحِبَّةِ ذُو بُخْلِ

وأعْلَمتْنِي أن قد شَفِقْتَ عليَّ مِن ... مَقالةِ عُذَّالٍ وليسوا ذَوِي عَدْلِ

أبُثُّك حَالِي يا أخا الوُدِّ والوفا ... وَدَهْرِيَ أشْكُو وهْو منِّيَ في حِلِّ

رَمانِي زماني بالصَّبابة والهوى ... وذلك تقْديرُ الذي جَلَّ عن مِثْلِ

وقد كان ظنِّي الوصلُ مِن فَاتِنِي الذي ... تحكَّم في بعضِي هَواه وفي كُلِّي

فعامَلنِي من غَيْرِ ذنبٍ بهَجْرِه ... فيا سيِّدي هل يستحقُّ الجَفَا مِثْلِي

فمِن أجْلِ ذا قد ضاق صَدْرِيَ منهمُ ... ولم أتَجَرَّعْ بعدَ ذا غُصَصَ العَذْلِ

على أنني لا أرْتضي الذُّلَّ في الهوى ... وإن كان أَوْلَى لي التَّحَمُّلُ للِذُّلِّ

ولكنْ أمَرْتَ العبدَ يصْبِرُ للْقضَا ... فصَبْراً على أحْكامِ ذي الأعْيُنِ النُّجْلِ

ودُمْ راقياً أَوْجَ الفضائلِ باقياً ... وتخْدُمك العَلْياءُ في الجِدِّ والهَزْلِ

ومما وقفت عليه، معزواً إليه قوله:

إيَّاك والبَغْيَ لا تَرْضَى به أبداً ... واتْرُكْ هوَى النفسِ تنْجُو مِن بَلا عَادِ

وكُن بنفسِك مشْغولاً تُهذِّبُها ... فالنفسُ أعْدَى عَدُوٍ ذاتُ إفْسادِ

ولا تكُنْ بمَساوِي الناسِ مُشْتغِلاً ... وراقِبِ الناسَ في خافٍ وفي بَادِي

قد قال واصفُهم حَقّاً أخُو فِطَنٍ ... ممَّن يُجِيد فَصِيحَ النُّطْقِ بالضَّادِ

الناسُ أحْلامُهم شَتَّى وإن جُبِلوا ... على تَشابُهِ أرْواحٍ وأجْسادِ

للخيرِ والشَّرِّ أهلٌ وُكِّلُوا بهما ... كلٌّ له مِن دَواعِي نَفْسِه هَادِي

وقوله:

في طَيْبةَ كان لنا صاحبٌ ... تظنُّه النفسُ شَقِيقاً لَهَا

مَنَحْتُه صَفْوةَ الإخَأ ... وخِلتُه يمنَحُ أمْثالَهَا

فقابَل الوُدَّ بهَجْرٍ بلا ... دَاعٍ له تُوِب فَتْح اللَّهَا

وكم عُقُودٍ للْوفَا بيْننا ... أطاع شانِينَا وقد حَلَّهَا

فقلتُ يا نفسُ دَعِيهِ فذَا ... مثلُ الذي نقضَتْ غَزْلَهَا

أحمد بن محمد علي المدرس لقيته بدمشق في خدمة قاضي القدس المولى خليل أجل من ولي القضا، وأعظم من ينقضي الدهر وليس لمدحه انقضا.

وله عنده المنزلة المجلاة بالإنعام، والرتبة المشمولة بالإكرام بين الخاص والعام وكنت أعشق هذا الفاضل على السماع، فصغر الخبر الخبر به عند الاجتماع وطالما اقتطفت من أزاهر بستانه فاكهةً جنية، فتناولت الآن من صنعة بنانه تحفاً عن الإطراء في مدحها غنية.

وهو كما بلغني قد بلغ مبلغ الرجال، وهو في سن الأطفال، وتميز بين أقرانه بالمزية التي تستدعى لها الاعتناء والاحتفال.

بجدٍ لم يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها، وجهدٍ لم يخل دقيقة ولا جليلةً إلا استقصاها.

وقد فرحت به فرحةً أنستني كل فرحة، وباعدت بيني وبين كل مساءة وترحة.

ثم اجتمعت به في القاهرة، فأشرقت علي بها فضائله الزاهرة.

وتحققت من وده حالاً لم يلحقها انتقال، ولم يشنها اختلال، وتألفاً هو الفعل لم يدخله من شوائب النقص اعتلال.

فالله يجعل تلك من الأحوال اللازمة، ويعصم هذا من الحروف الجازمة.

فمما تناولت من شعره قوله:

قَرِّبي الراحَ من حِمانَا وُدورِي ... بين غِيدٍ بها حِسَانٍ بُدورِ

قَرِّبيها فهْي الدواءُ لِما قد ... حلَّ من دَائها بجسْمي الأسيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>