فوقَف الحُسْنُ عليه حائِراً ... مُتيَّماً وَلْهانَ في ذاك الْبَهَا
تَهْوَى الصَّبَا شَمائلَ اللُّطْفِ به ... فلا تُداوِي سُقْمَها أيْدِي الأُسَا
إلاّ إذا ما لَمَستْ ضَرِيحَه ... فكم سَقامٍ من تُرابِه اشْتفَى
سَرَى إلى السَّبْعِ الطِّباقِ جسمُه ... في صُحْبةِ الرُّوحِ الأمينِ ورَقَى
إن قطَع الأفْلاكَ سُرْعَةً فلا ... بُعْدَ فإن ذاتَه شمسُ الضُّحَى
حَوافِرُ البُراقِ مِن آثارِها ... قد ظهرَتْ فيه أهِلَّةُ السَّمَا
يُغْنِي عن المدحِ رَفِيعُ قَدْرِهِ ... فيُمْدَح المدحُ به وما دَرَى
كلُّ لِباسٍ للمديح قاصِرٌ ... عنه يُحَلَّ رَحْلُه دون المَدَى
سال لُعابُ الشمسِ ممَّا تشْتهِي ... لَذِيذَ هاتِيك المَعاني إذْ حَلاَ
وقد استعمل ابن سناء الملك هذا، في قوله يهجو الشمس:
أنتِ عَجُوزٌ لِمْ تَبَهْرَجْتِ لِي ... وقد بَدا منك لُعابٌ يَسِيلْ
فصاحةٌ ما الشِّعر منها بالغٌ ... ببَحْرِه قطرةَ وَصْفِ ذِي صَفَا
لذلك قد قَطَّعَه الناسُ وقد ... دارتْ به دَوائرُ القومِ الأُلَى
وما أحسن قوله في وصف المقصورة:
بين يَدَيْها ابنُ دُرَيدٍ حاجِبٌ ... وألِفاتُ شِعْرِه مِثْلُ الْعَصَا
ذَيْلُ الدُّجَى بِعَرْفِها مُمَسَّكٌ ... مُضَمِّخٌ خَلُوقُها بُرْدَ الضُحَى
ومن همزيته النبوية، التي أولها:
ما سُلَيْمَى ما هندُ ما أسْماءُ ... أنتَ مَعنىً وكلُّها أسْماءُ
وهْو حِزْبِي ووِرْدُ كُلِّ لسانٍ ... ولَكم أخْصَبَتْ به الشَّهْباءُ
ذاك حِزْبُ البحر الذي لا يُلاقِي ... من يُدِمْ ذِكْرَه عَناً وبَلاءُ
منها:
وجَدُوه دُرّاً يَتِيماً تَرَبَّى ... لم يُدْنِّسْهُ عُنْصُرٌ وهَبَاءُ
الهباء: الأجزاء التي تؤلف منها العناصر، كما في الفتوحات.
ذاك كَيْلا يكونَ مَنٌّ عَلَيْهِ ... لأُصولٍ له إليْها اعْتِزاءُ
في حديث الراهب بحيرى، لما سأل أبا طالب: ما هذا منك؟ قال: ابني.
قال: هذا لا ينبغي أن يكون أبوه حياً.
فيه إشارةٌ إلى أن اليتم كمالٌ في حقه، وقد بين بأن الحكمة فيه أن لا يجب عليه طاعةٌ لغير الله، ولا يكون عليه ولايةٌ ولا منةٌ لغيره، ولا يتوجه عليه حقٌّ لمخلوق، ولا نسب لقطيعةٍ ولا عقوق.
كذا في شرح تائية السبكي، لابن الهيتمي.
منها:
خُلُقٌ للصَّبَا شَقِيقٌ فمِنْها ... نَصْرُه والعِدَى لَها النَّكْباءُ
مُذْ أظَلَّ الزَّمانَ منه وُجودٌ ... حسَدتْه الأزْمانُ والآناءُ
وعليه إذا غارَ من عينِ شَمْسٍ ... ظَلَّلتْه سَحابةٌ وَطْفاءُ
وبه زَهْرةُ الحياةِ رَبِيعٌ ... مُذ أظلَّت مَوْلُودَه الخَضْراءُ
وغدَتْ أرضُه سماءً بفَخْرٍ ... فهْي خَضْراءُ ثُمَّ لا غَبْراءُ
وله الأرضُ مَسْجِدٌ فجميعُ ... مَن عليها له به الاقْتِداءُ
وسُطورُ الصلاةِ حُجَّةِ دِينٍ ... وبخَتْمِ النُّبُوَّةِ الإمْضاءُ
وبه شُرَّفَتْ فكانت طَهُوراً ... وتساوَى البُلْدانُ والصَّحْراءُ
منها:
وله الضَّبُّ ناطِقٌ باعْترافٍ ... ومن السَّعْدِ تنْطِقُ العَجْماءُ
مع ذَأ سَفَّه النِّفاقُ أُناساً ... ما لِضَبٍ من حِقْدِهم نافِقاءُ
ليس فيهم سِوَى أَعِنَّةِ خَيْلٍ ... وقَنَا الخَطِّ في الوغَى سُفَهاءُ
ومِراضُ القلوب قد قَصَدْتهم ... سُمْرُهُ حين حَمَّتِ الهَيْجاءُ
ما سَقاهم إلاّ كُئوسَ المَنايَا ... ربَّ داءٍ له المماتُ دَواءُ
هم ثِفالٌ إذا رَحَى الحرب دارتْ ... وبنادِيهمُ همُ الأرْجاءُ