للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلفظُه يُطْرِب، ومعناه يُعْرِب فيُغْرِب، وبلاغتُه تدلُّ على أنه آيةٌ لأن شمسَ كمالِها طَلعتْ من المغرب.

فهو مُقدَّم في أدباء فاس، تقدُّمَ النَّصِّ على القياس.

تردَّد على النُّبهاء تردُّدَ الكاسِ في الروض العاطِر، ودخل الروم فجرَى من أهْواهم مَجْرَى الماءِ في الغُصن المُتروِّي بالغمام الماطر.

فصار شعرُه سَمَرَ النادي، وتَعِلَّةَ الحادِي، ومثَل الحاضرِ والبادي.

ولما رجع اسْتأثر اللهُ به، ودعاه لما عنده من كرامته وتقرُّبِه.

فعلى ما تضمَّنه من تُراب فاس، سلامُ الله تعالى بعددِ الأنفاس.

وقد أثْبتُّ له ما يسْتعير فضلَ إشراقِه الصَّباح، وترْتاح للُطْفِ صَنْعته الأرواح في الأشباح.

فمن ذلك ما كتبه إلى أبي المَعالي درويش محمد الطَّالُوِيّ، وقد اجتمعا في الروم:

لدمعي بعدَ بَيْنهِمُ انْهِمالُ ... فكم عن حِفْظِ عهدِ الصَّبِّ مالُوا

وحَلُّوا القلبَ داراً واسْتحلُّوا ... دَمِي عمداً وعن وُدِّي اسْتحالُوا

وقال القلبُ مَعْ صبري وعَقْلي ... وأفراحِي لنا عنك ارْتحالُ

وحانَ الحْينُ حِين الْبانُ بانَتْ ... مَطاياهم وأعْلاها الرِّحالُ

وأبْقتْ لي النَّوَى جسْماً كأني ... لفَرْطِ السُّقْمِ حالٌ أو مُحالُ

أُفَدِّيهم بأمْوالي ونفسي ... وهل لي في الهوى نَفْسٌ ومالُ

أأسْلوهم مدَى الدنيا سَلُوهم ... ولو أصْلَوا فؤادي ثم صَالُوا

شعاري حُبُّهم والمدحُ دِينِي ... لمولَى الفضلِ درويش بن طَالُوا

هو النِّحْريرُ بحرُ العِلم مهما ... أهَمَّ الأمرُ أو أعْيَى السؤالُ

ذكيٌّ ألْمَعِيٌّ لَوْذَعِيٌّ ... سَرِيٌّ ماله حقَّاً مِثالُ

له علمٌ حَنِيفِيٌّ محيطٌ ... وحِلْمٌ أحْنَفِيٌّ واحْتمالُ

وفكرٌ عند ذي التَّحقيقِ ذِكْرٌ ... بُشكْرِ اللهِ مُغْرَى لا يزالُ

حوَى كلَّ المَعانِي والمَعالِي ... بعَقْل ما له عنه انْعِقالُ

له نظمٌ كدُرٍّ في نحوُر ال ... غَوانِي دونه السِّحْر الْحلالُ

فريدٌ في المَعالي دون نِدٍّ ... فدَعْ ما قيل أو ما قد يُقالُ

فيَمِّمْ دارَه وانْزِلْ حِماهُ ... إذا جار الأعادِي واسْتطالُوا

وقُلْ للمَدَّعِي هل حُزْتَ أصْلاً ... له بالطَّالُوِييِّن اتِّصالُ

لَقيناه بإسْلامبولَ لمَّا ... عَدِمْنا فيه حُرَّاً يُسْتمالُ

فوَالانا وأوْلانا بَشاشاً ... وبِشْراً دونه العَذْبُ الزُّلالُ

وأنْسانَا بإيناسٍ أُناساً ... لهم في القلبِ حلٌّ وارْتحالُ

ألا يا ابْنَ الأُلى قد حُزْتَ فخراً ... له في جَنّةِ الدهرِ انْتقالُ

وسُدْتَ اليومَ أهلَ الأرضِ فاهْنا ... بعِزٍّ مالَه عنك انْتقالُ

فخُذْها مثلَ خُلْقٍ منك سَهْلٍ ... على الأعداءِ صَعْبٌ لا يُنالُ

كساها مَدْحُك المحمودُ حُسْناً ... لها فيه ازدِهاء واخْتيالُ

فتُبْدِي تارةً دَلاًّ لديكم ... ويعْرُوها على الدنيا دَلالُ

تُرَجِّي أن تُنِيلُوها قبولاً ... عسى يبدُو لها منك احْتفالُ

فإن أحْسنتُ كان الأمرُ بِدْعاً ... وإلا منكمُ يُرْجَى الكمالُ

ثم أعْقبَ هذا النظم بنثر، وهو: رضي الله عنك وأرْضاك، وأخْصَب في مَرَابِع المَحامد مَرْعاك.

سلام عليكم ورحمةُ الله سلاماً يتَّخِذه البدرُ بَرْقَ مُحَيَّاه، وقام لإجْلاله سَنا شمسِ الضُّحَى وحَيَّاه.

وافْتك حاسرة حَسِيرة، ونَزِهة يسيرة.

يُشرِّفها ذكرُك، ويكرمُها شكرُك.

والعذرُ واضح، وتفسير الواضِح فاضِح.

فإن لي خاطراً متى تفكَّر تفطَّر، وإن راجَع وتدبرَّ القَدَرَ تصبَّر.

والحُرُّ خِلٌّ عاذر، واللئيمُ خِبٌّ غادر.

وِمثلُك يغُضُّ ولا يُغْضي، وحِلْمُك لا شكَّ إلى الرِّضا يُفْضِى.

<<  <  ج: ص:  >  >>