طَرَأَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ إِسْنَادِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي أَوَائِلِهِ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ. نَعَمْ، حَدِيثُ: ( «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ» ) نَرَاهُ مِثَالًا لِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ الْعَدَدُ الْجَمُّ، وَوَافَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى إِطْلَاقِ التَّوَاتُرِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ نَازَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي اجْتِمَاعِ الْعَشَرَةِ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَبَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا فِي كَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا ; لِأَنَّ شَرْطَهُ كَمَا قَدَّمْنَا اسْتِوَاءُ طَرَفَيْهِ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي الْكَثْرَةِ، وَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهِ بِمُفْرَدِهَا.
وَأُجِيبُ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الطُّرُقَ عَنِ الْعَشَرَةِ مَوْجُودَةٌ فِي مُقَدِّمَةِ الْمَوْضُوعَاتِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وَابْنِ عَوْفٍ فِي النُّسْخَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهَا، وَكَذَا مَوْجُودَةٌ عِنْدَ مَنْ بَعْدَهُ، وَالثَّابِتُ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي مِنَ الصِّحَاحِ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ، وَمِنَ الْحِسَانِ طَلْحَةُ وَسَعْدٌ وَسَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمِنَ الضَّعِيفِ الْمُتَمَاسِكِ طَرِيقُ عُثْمَانَ، وَبَقِيَّتُهَا ضَعِيفٌ أَوْ سَاقِطٌ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْجُمْلَةِ.
وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِطْلَاقِ كَوْنِهِ مُتَوَاتِرًا رِوَايَةُ الْمَجْمُوعِ عَنِ الْمَجْمُوعِ مِنَ ابْتِدَائِهِ إِلَى انْتِهَائِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَهَذَا كَافٍ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَطَرِيقُ أَنَسٍ وَحْدَهَا قَدْ رَوَاهَا عَنْهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَتَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ عَنْهُ سِتَّةٌ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ وَثِقَاتِهِمْ.
وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
فَلَوْ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: إِنَّهُ مُتَوَاتِرٌ عَنْ صَاحِبَيْهِ، لَكَانَ صَحِيحًا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَفِي بَعْضِ مَا جُمِعَ مِنْ طُرُقِهِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ. (قُلْتُ: بَلَى) ، لَمْ يُخَصَّ هَذَا الْمَتْنُ بِالْأَمْرَيْنِ، بَلْ (مَسْحُ الْخِفَافِ) قَدْ رَوَاهُ أَيْضًا - فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِهِ: (الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ لِلْفَائِدَةِ) - أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ صَحَابِيًّا، وَمِنْهُمُ الْعَشَرَةُ. بَلْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَلَكِنْ فِي هَذَا مَقَالٌ. نَعَمْ، جَمَعَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ رُوَاتَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَجَاوَزُوا الثَّمَانِينَ.
وَصَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُتَوَاتِرٌ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْهُمْ: رَوَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوُ أَرْبَعِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَفَاضَ وَتَوَاتَرَ. وَسَبَقَهُ أَحْمَدُ فَقَالَ: لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنَ الْمَسْحِ شَيْءٌ، فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute