حَكَاهُ عَنِ الْأُصُولِيِّينَ إِنَّمَا هُوَ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ، وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ. وَكَذَا دَعْوَاهُ ذَلِكَ لُغَةً يَرُدُّهُ حِكَايَةُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ عَنْهُمْ بِدُونِ اخْتِلَافٍ، لَكِنَّهُ قَالَ: وَمَعَ هَذَا - يَعْنِي إِيجَابَ حُكْمِ اللُّغَةِ - إِجْرَاءُ الصُّحْبَةِ عَلَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ سَاعَةً، فَقَدْ تَقَرَّرَ لِلْأَئِمَّةِ عُرْفٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَهُ إِلَّا فِيمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَاتَّصَلَ لِقَاؤُهُ، وَلَا يُجْرُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَقِيَ الْمَرْءَ سَاعَةً، وَمَشَى مَعَهُ خُطًا، وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا، فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ لَا يَجْرِيَ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ إِلَّا عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ. انْتَهَى.
وَصَنِيعُ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ يُشْعِرُ بِالْمَشْيِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ; فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. وَكَذَا قَالَ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ. بَلْ قَالَ مُوسَى السَّيَلَانِيُّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي (الطَّبَقَاتِ) بِسَنَدٍ جَيِّدٍ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَأَنْتَ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ بِنَاءً عَلَى مَا فِي ظَنِّهِ: (قَدْ بَقِيَ قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَأَمَّا أَصْحَابُهُ فَأَنَا آخِرُهُمْ) .
لَكِنْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ إِثْبَاتَ صُحْبَةٍ خَاصَّةٍ لَيْسَتْ لِتِلْكَ الْأَعْرَابِ، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلْمَسْأَلَةِ. وَكَذَا إِنَّمَا نَفَى أَبُو زُرْعَةَ وَمَنْ أُشِيرَ إِلَيْهِمْ صُحْبَةً خَاصَّةً دُونَ الْعَامَّةِ، وَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ مِنْ خِطَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي حَقِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: ( «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» ) ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ نَهْيَ الصَّحَابِيِّ عَنْ سَبِّ آخَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنِ السَّبِّ غَيْرَ صَحَابِيٍّ، فَالْمَعْنَى: لَا يَسُبَّ غَيْرُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي، وَلَا يَسُبَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
(وَ) عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهَذَا الْقَوْلُ (لَمْ يُثَبَّتِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute