للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَاقِلًا، حَكَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: رَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: كُلُّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَدْرَكَ الْحُلُمَ فَأَسْلَمَ وَعَقَلَ أَمْرَ الدِّينِ وَرَضِيَهُ فَهُوَ عِنْدَنَا مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.

وَالتَّقْيِيدُ بِالْبُلُوغِ - كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ - شَاذٌّ، وَهُوَ يُخْرِجُ نَحْوَ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الَّذِي عَقَلَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجَّةً، وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، مَعَ عَدِّهِمْ إِيَّاهُ فِي الصَّحَابَةِ. وَلَمْ يُتَعَقَّبْ تَقْيِيدُهُ بِالْعَقْلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ، سَوَاءٌ الْبَالِغُ السَّابِقُ إِسْلَامُهُ دُونَ رُؤْيَتِهِ، أَوِ الصَّغِيرُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ ; وَلِذَا زِدْتُهُ، وَكَانَ عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ لِفَقْدِهِ. نَعَمْ، الْمُتَقَطِّعُ لَا مَانِعَ مِنَ اتِّصَافِهِ بِهَا إِذَا رَآهُ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ ; لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَوَصْفِهِ بِالْعَدَالَةِ إِذَا لَمْ يُؤَثِّرِ الْخَلَلُ فِي إِفَاقَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ كَوْنُهُ مُمَيِّزًا كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَقِيلَ) : إِنَّهُ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِهِ صَحَابِيًّا مُجَرَّدُ الرُّؤْيَةِ، بَلْ لَا يَكُونُ صَحَابِيًّا إِلَّا (إِنْ طَالَتْ) صُحْبَتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَثُرَتْ مُجَالَسَتُهُ مَعَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ لَهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ. وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي (الْعُدَّةِ) فَقَالَ: الصَّحَابِيُّ هُوَ الَّذِي لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَقَامَ مَعَهُ وَاتَّبَعَهُ دُونَ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَانْصَرَفَ مِنْ غَيْرِ مُصَاحَبَةٍ وَلَا مُتَابَعَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي (الْمُعْتَمَدِ) : هُوَ مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ لَهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ، أَمَّا مَنْ طَالَتْ بِدُونِ قَصْدِ الِاتِّبَاعِ أَوْ لَمْ تَطُلْ كَالْوَافِدِينَ فَلَا. وَقَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ: هُوَ مَنْ ظَهَرَتْ صُحْبَتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صُحْبَةُ الْقَرِينِ قَرِينَهُ حَتَّى يُعَدَّ مِنْ أَحْزَابِهِ وَخَدَمِهِ الْمُتَّصِلِينَ بِهِ.

قَالَ صَاحِبُ (الْوَاضِحِ) : وَهَذَا قَوْلُ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ: هُوَ مَنْ أَكْثَرَ مُجَالَسَتَهُ وَاخْتَصَّ بِهِ ; وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَدَّ الْوَافِدُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فِي آخَرِينَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، بَلْ حَكَاهُ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ عَنْهُمْ، وَادَّعَى أَنَّ اسْمَ الصَّحَابِيِّ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ تَوَسَّعُوا فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الصُّحْبَةِ عَلَى مَنْ رَآهُ رُؤْيَةً ; لِشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَيْثُ أَعْطَوْا لِكُلِّ مَنْ رَآهُ حُكْمَ الصُّحْبَةِ ; وَلِهَذَا يُوصَفُ مَنْ أَطَالَ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَيْ: الْمُجَالَسِ.

وَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>