صَحَابِيٌّ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ، يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ إِثْبَاتُ عَدَالَتِهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَنَا عَدْلٌ، وَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ. وَلَكِنْ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ الْبَاقِلَّانِيِّ تَقْيِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إِذَا لَمْ يَرِدْ عَنِ الصَّحَابَةِ رُدَّ قَوْلُهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذِ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَلَوْ فُرِضَ كَوْنُ النَّفْيِ لِمَحْصُورٍ فَرُبَّمَا كَانَ قَادِحًا فِي الْعَدَالَةِ. وَكَذَا قَيَّدَهُ هُوَ وَالْآمِدِيُّ بِثُبُوتِ مُعَاصَرَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعِبَارَةُ الْآمِدِيِّ: فَلَوْ قَالَ مَنْ عَاصَرَهُ: أَنَا صَحَابِيٌّ، مَعَ إِسْلَامِهِ وَعَدَالَتِهِ فَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ: إِذَا عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ قُبِلَ مِنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَآهُ مَعَ إِمْكَانٍ ذَلِكَ مِنْهُ ; لِأَنَّ الَّذِي يَدَّعِيهِ دَعْوَى لَا أَمَارَةَ مَعَهَا. وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ مَا أُطْلِقَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ ادِّعَاؤُهُ لِذَلِكَ يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ، أَمَّا لَوِ ادَّعَاهُ بَعْدَ مُضِيِّ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ حِينِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ; فَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ» ) ، يُرِيدُ انْخِرَامَ ذَلِكَ الْقَرْنِ. قَالَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ، قَالَ: وَهُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ شَيْخِنَا: وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُعَاصَرَةُ، فَيُعْتَبَرُ بِمُضِيِّ مِائَةِ سَنَةٍ وَعَشْرِ سِنِينَ مِنْ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِأَصْحَابِهِ: ( «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ; فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَيْهَا أَحَدٌ» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرٍ، وَلَفْظُهُ: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: ( «أُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» ) . قَالَ: وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ لَمْ يُصَدِّقِ الْأَئِمَّةُ أَحَدًا ادَّعَى الصُّحْبَةَ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute