للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَدِ ادَّعَاهَا جَمَاعَةٌ فَكَذَبُوا، وَكَانَ آخِرَهُمْ رَتَنٌ الْهِنْدِيُّ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَذِبُهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ. انْتَهَى.

وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى مَا لَا يُمْكِنُ تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، فَاشْتِرَاطُهَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ جَعَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَحَلَّهُ مَعَ الْعَدَالَةِ إِذَا تُلُقِّيَ بِالْقَبُولِ وَحَفَّتْهُ قَرَائِنُ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى رَدِّهِ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ صُحْبَتُهُ بِقَوْلِهِ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ دَعْوَاهُ رُتْبَةً يُثْبِتُهَا لِنَفْسِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبَى الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَدَّعِي صُحْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى نَعْلَمَ صُحْبَتَهُ، فَإِذَا عَلِمْنَاهَا فَمَا رَوَاهُ فَهُوَ عَلَى السَّمَاعِ حَتَّى نَعْلَمَ غَيْرَهُ. وَاقْتِصَارُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: تُعْلَمُ الصُّحْبَةُ إِمَّا بِطْرِيقٍ قَطْعِيٍّ، وَهُوَ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ، أَوْ ظَنِّيٍّ، وَهُوَ خَبَرُ الثِّقَةِ، قَدْ يُشْعِرُ بِهِ.

وَقَوَّاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ: فَإِنَّ الشَّخْصَ لَوْ قَالَ: أَنَا عَدْلٌ، لَمْ يُقْبَلْ ; لِدَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ مَرْتَبَةً، فَكَيْفَ إِذَا ادَّعَى الصُّحْبَةَ الَّتِي هِيَ فَوْقَ الْعَدَالَةِ؟ ! وَأَبْدَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ احْتِمَالًا ; حَيْثُ قَالَ: لَوْ قَالَ الْمُعَاصِرُ الْعَدْلُ: أَنَا صَحَابِيٌّ، احْتَمَلَ الْخِلَافَ، يَعْنِي قَبُولًا وَمَنْعًا، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّقْلِ فِي الطَّرَفَيْنِ.

ثَانِيهِمَا: التَّفْصِيلُ بَيْنَ مُدَّعِي الصُّحْبَةِ الْيَسِيرَةِ فَيُقْبَلُ ; لِأَنَّهَا مِمَّا يَتَعَذَّرُ إِثْبَاتُهَا بِالنَّقْلِ ; إِذْ رُبَّمَا لَا يَحْضُرُهُ حَالَةَ اجْتِمَاعِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ رُؤْيَتِهِ لَهُ أَحَدٌ. أَوِ الطَّوِيلَةِ وَكَثْرَةِ التَّرَدُّدِ فِي السِّفْرِ وَالْحَضَرِ، فَلَا ; لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُشَاهَدُ وَيُنْقَلُ وَيَشْتَهِرُ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>