للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَحْثِ عَمَّنْ لَيْسَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ. وَذَهَبَتِ الْمُعْتَزِلَةُ إِلَى رَدِّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا. وَقِيلَ بِهِ فِي الْفَرِيقِ الْآخَرِ.

وَ (قِيلَ: لَا) يُحْكَمُ بِعَدَالَةٍ (مَنْ دَخَلَا) مِنْهُمْ (فِي فِتْنَةٍ) مِنَ الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ مِنْ حِينِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ; كَالْجَمَلِ وَصِفِّينَ، مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهَا. وَعَنْ بَعْضِهِمْ رَدُّهُمْ، كَأَنَّهُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُقْبَلُ الدَّاخِلُ فِيهَا إِذَا انْفَرَدَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَالَةُ، وَشَكَكْنَا فِي ضِدِّهَا، وَلَا تُقْبَلُ مَعَ مُخَالِفِهِ ; لِتَحَقُّقِ إِبْطَالِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ. وَقِيلَ: إِنَّ الْقَوْلَ بِالْعَدَالَةِ يُخَصُّ بِمَنِ اشْتَهَرَ مِنْهُمْ، وَمَنْ عَدَاهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ فِيهِمُ الْعُدُولُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمَازَرِيُّ فِي (شَرْحِ الْبُرْهَانِ) : لَسْنَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا: الصَّحَابَةُ عُدُولٌ، كُلَّ مَنْ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا مَا، أَوْ زَارَهُ أَوِ اجْتَمَعَ بِهِ لِغَرَضٍ وَانْصَرَفَ عَنْ قَرِيبٍ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، فَأُولَئِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: ٥] . وَلَمْ يُوَافَقِ الْمَازَرِيُّ عَلَى ذَلِكَ ; وَلِذَا اعْتَرَضَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ الْعَلَائِيُّ: إِنَّهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ يُخْرِجُ كَثِيرًا مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالصُّحْبَةِ وَالرِّوَايَةِ عَنِ الْحُكْمِ بِالْعَدَالَةِ ; كَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُقِمْ عِنْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا وَانْصَرَفَ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، أَوْ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُ إِقَامَتِهِ مِنْ أَعْرَابِ الْقَبَائِلِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ كَانَ تَعْظِيمُ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ كَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلِيلًا، مُقَرَّرًا عِنْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ مُتَّكِئًا فَذَكَرَ مَنْ عِنْدَهُ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَتَنَاوَلَ رَجُلٌ مُعَاوِيَةَ، فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ: (كُنَّا نَنْزِلُ رِفَاقًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكُنَّا فِي رُفْقَةٍ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>