الشِّيعَةِ تَفْضِيلَهُ، وَعَنِ الْخَطَّابِيَّةِ تَفْضِيلَ عُمَرَ، وَعَنِ الرَّاوِنْدِيَّةِ تَفْضِيلَ الْعَبَّاسِ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ وَطَائِفَةً ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ ; لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِهِمْ: (أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ) ، وَعَيَّنَ بَعْضَهُمْ ; مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَكُلُّ هَذَا مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَةِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ عَلِيٍّ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَجَامِعِ وَالْمَشَاهِدِ وَعَلَى الْمَنَابِرِ. وَلِبَعْضِهِمْ:
أَبُو بَكْرٍ عَلَى السُّنَّهْ ... وَفَارُوقٌ فَتَى الْجَنَّهْ
وَعُثْمَانُ بِهِ الْمِنَّهْ ... عَلِيٌّ حُبُّهُ جُنَّهْ.
وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا عَقِبَ الْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ عُمَرَ تَمَسُّكًا بِالْحَدِيثِ فِي الْمَنَامِ الَّذِي فِيهِ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ تَمَسُّكٌ وَاهٍ. وَعَقِبَ الْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ، لَيْسَ قَائِلُهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ عَقِبَ آخِرِهَا: وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَلَا مَقْبُولٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي (الدَّلَائِلِ) وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: ذَكَرَ رِجَالٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ، فَكَأَنَّهُمْ فَضَّلُوهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: وَاللَّهِ وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ عَمَلِي كُلَّهُ مِثْلُ عَمَلِهِ يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِهِ وَلَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ، أَمَّا لَيْلَتُهُ فَذَكَرَ قِصَّةَ الْغَارِ، وَأَمَّا يَوْمُهُ فَذَكَرَ الرِّدَّةَ.
وَثَبَتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ رَجُلٌ آخَرُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: ثُمَّ أَنْتَ يَا أَبَتِ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ أَبُو الْأَزْهَرِ: سَمِعْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute