للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ خَيْرٌ، وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا تَهَافُتٌ فِي الْقَوْلِ. وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى الْعِلْمِ، فَلَا تَهَافُتَ، خُصُوصًا وَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ، لَكِنْ فِي التَّابِعِينَ كَمَا سَيَأْتِي، حَيْثُ وَجَّهَ قَوْلَ أَحْمَدَ بِتَفْضِيلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مَعَ النَّصِّ فِي أُوَيْسٍ بِقَوْلِهِ: فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْعِلْمِ، لَا الْخَيْرِيَّةِ، كَمَا سَلَكَهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْخَطَّابِيِّ. انْتَهَى.

وَبَقِيَّةُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ: وَبَابُ الْخَيْرِيَّةِ غَيْرُ بَابِ الْفَضِيلَةِ، قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: إِنَّ الْحُرَّ الْهَاشِمِيَّ أَفْضَلُ مِنَ الْعَبْدِ الرُّومِيِّ أَوِ الْحَبَشِيِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَبْدُ الْحَبَشِيُّ خَيْرًا مِنْ هَاشِمِيٍّ فِي مَعْنَى الطَّاعَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلنَّاسِ، فَبَابُ الْخَيْرِيَّةِ مُتَعَدٍّ، وَبَابُ الْفَضِيلَةِ لَازِمٌ، وَنَحْوُهُ مَنْ كَانَ يُقَدِّمُ عَلِيًّا لِفَضِيلَتِهِ وَفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِهِ، مَعَ اعْتِرَافِهِ بِفَضْلِ الشَّيْخَيْنِ ; كَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ; فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ أَتَانِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ لَبَدَأْتُ بِحَاجَةِ عَلِيٍّ قَبْلَهُمَا ; لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقَدِّمَهُ عَلَيْهِمَا.

وَكَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ ; وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَتِ الْخَوَارِجُ يَرْمُونَهُ بِاتِّصَالِهِ بِعَلِيٍّ وَقَوْلِهِ بِفَضْلِهِ وَفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ كَانَ يَعْتَرِفُ بِفَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ عَلِيًّا. وَقَدْ قَالَ السِّرَّاجُ: ثَنَا خُشَيْشٌ الصُّوفِيُّ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: كَانَ رَأْيُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَأْيَ أَصْحَابِهِ الْكُوفِيِّينَ، يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ رَجَعَ وَهُوَ يُفَضِّلُ عُمَرَ عَلَى عَلِيٍّ، وَيُفَضِّلُهُ عَلَى عُثْمَانَ. أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ الثَّوْرِيِّ مِنَ (الْحِلْيَةِ) . وَكَذَا حَكَى الْمَازَرِيُّ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>