للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِيَاضٌ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَلَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي التَّفْضِيلِ، أَهُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ؟ فَالَّذِي مَالَ إِلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ مَالِكٍ الْآتِي نَقْلُهُ مِنَ (الْمُدَوَّنَةِ) . وَالَّذِي مَالَ إِلَيْهِ الْبَاقِلَّانِيُّ وَاخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي (الْإِرْشَادِ) الثَّانِي، وَعِبَارَتُهُ: لَمْ يَقُمْ عِنْدَنَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى تَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ عَلَى بَعْضٍ ; إِذِ الْعَقْلُ لَا يَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِهِمْ مُتَعَارِضَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ تَلَقِّي التَّفْضِيلِ مِنْ مَنْعِ إِمَامَةِ الْمَفْضُولِ.

وَلَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ عُمَرُ أَفْضَلُهُمْ بَعْدَهُ، وَتَتَعَارَضُ الظُّنُونُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ. وَبِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا جَزَمَ صَاحِبُ (الْمُفْهِمِ) .

(قُلْتُ: وَقَوْلُ الْوَقْفِ) عَنْ تَفْضِيلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (جَا) بِالْقَصْرِ (عَنْ مَالِكِ) حَسْبَمَا عَزَاهُ الْمَازَرِيُّ لِنَصِّ (الْمُدَوَّنَةِ) ، يَعْنِي فِي آخِرِ الدِّيَاتِ مِنْهَا، وَأَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ.

زَادَ عِيَاضٌ فِيمَا عَزَاهُ إِلَيْهَا: ثُمَّ عُمَرُ. ثُمَّ قَالَ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ: أَوَفِي ذَلِكَ شَكٌّ؟ قِيلَ لَهُ: فَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ؟ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِمَّنْ أَقْتَدِي بِهِ يُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَنَرَى الْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ. وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ ; مِنْهُمْ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَمِنِ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ حَزْمٍ. وَقَوْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَاضِي: وَتَتَعَارَضُ الظُّنُونُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، يَمِيلُ أَيْضًا إِلَى التَّوَقُّفِ. لَكِنْ قَدْ حَكَى عِيَاضٌ أَيْضًا قَوْلًا عَنْ مَالِكٍ بِالرُّجُوعِ عَنِ الْوَقْفِ إِلَى تَفْضِيلِ عُثْمَانَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ عِيَاضٌ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَفُّهُ وَكَفُّ مَنِ اقْتَدَى بِهِ لِمَا كَانَ شَجَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالتَّعَصُّبِ. بَلْ حَكَى الْمَازَرِيُّ قَوْلًا بِالْإِمْسَاكِ عَنِ التَّفْضِيلِ مُطْلَقًا، وَعَزَاهُ الْخَطَّابِيُّ لِقَوْمٍ، وَحَكَى هُوَ قَوْلًا آخَرَ بِتَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ جِهَةِ الصَّحَابَةِ، وَعَلِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ، قَالَ: وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>