وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا مِنَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ حِبَّانَ إِنَّمَا عَدَّ خَلَفًا فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لِمَا قِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا رَأَى جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، لَا عَمْرًا نَفْسَهُ، وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ.
ثُمَّ إِنَّ إِطْلَاقَ اللُّقِيِّ يَشْمَلُ أَيْضًا مَنْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَنَحَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ ابْنِ كَثِيرٍ: إِنَّ فِي كَلَامِ الْحَاكِمِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِاللِّقَاءِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ ; إِذِ الرِّوَايَةُ لَا يُشْتَرَطُ لِتَحَمُّلِهَا الْإِسْلَامُ. عَلَى أَنَّ مَا نَسَبَهُ لِلْحَاكِمِ فِيهِ نَظَرٌ ; فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ: وَطَبَقَةٌ تُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ وَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ ; يَعْنِي اكْتِفَاءً فِيهِمْ بِالرُّؤْيَةِ. ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ كَثِيرٍ عَدَمُ انْفِرَادِ الْحَاكِمِ بِمَا فَهِمَهُ عَنْهُ ; فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَمْ يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ الصَّحَابِيَّ، كَمَا اكْتَفَوْا فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الصَّحَابِيِّ عَلَى مَنْ رَآهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِشَرَفِ رُؤْيَتِهِ وَعِظَمِهَا. وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لِاشْتِرَاطِهِ مَعَ الرُّؤْيَةِ كَوْنَهُ فِي سِنِّ مَنْ يَحْفَظُ، كَمَا لِابْنِ حِبَّانَ، أَوِ الرِّوَايَةَ صَرِيحًا. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ.
(وَ) كَذَا (لِلْخَطِيبِ) أَيْضًا: التَّابِعِيُّ (حَدُّهُ أَنْ يَصْحَبَا) الصَّحَابِيَّ. وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَعَلَيْهِ - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - عَمَلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إِنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَسَبَقَهُ لِتَرْجِيحِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ: وَالِاكْتِفَاءُ فِي هَذَا بِمُجَرَّدِ اللِّقَاءِ وَالرُّؤْيَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ فِي الصَّحَابِيِّ ; نَظَرًا إِلَى مُطْلَقِ اللَّفْظِ فِيهِمَا ; أَيْ: فِي الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ، وَإِذَا اكْتُفِيَ بِهِ فِي الصَّحَابِيِّ فَهُنَا أَوْلَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَاللُّغَةُ وَالِاصْطِلَاحُ فِي الصَّحَابِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ مُتَّفِقَانِ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى الرُّؤْيَةِ الْمُجَرَّدَةِ بِخِلَافِهِ فِي التَّابِعِ، فَالْعُرْفُ وَاللُّغَةُ فِيهِ مُتَقَارِبَانِ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْخَطِيبَ عَدَّ مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ فِي التَّابِعِينَ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَقَوْلُ الْخَطِيبِ لَهُ: مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ أَبِي أَوْفَى، يُرِيدُ فِي الرُّؤْيَةِ، لَا فِي السَّمَاعِ وَالصُّحْبَةِ. وَاحْتِمَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute