الصُّنَابِحِيِّ، مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ قُدُومِهِمْ بِلَيَالٍ. وَأَقْرَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، قَدِمَ حِينَ نُفِّضَتِ الْأَيْدِي مِنْ دَفْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَصَحِّ، فِي آخَرِينَ.
وَقَالَ صَاحِبُ (الْمُحْكَمِ) : رَجُلٌ مُخَضْرَمٌ إِذَا كَانَ نِصْفُ عُمُرِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنِصْفُهُ فِي الْإِسْلَامِ. وَشَاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ نَفْيُ الصُّحْبَةِ.
وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَشَبَهَهُ فِي ذَلِكَ مُخْضَرَمٌ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ: الْمُخْضَرَمُ أَيْضًا الشَّاعِرُ الَّذِي أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ ; مِثْلُ لَبِيدٍ. فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا، فَتَمْثِيلُهُ بِلَبِيدٍ أَحَدِ الصَّحَابَةِ مُقَيِّدٌ لَهُ مَعَ احْتِمَالِهِ مُوَافَقَةَ الَّذِي قَبْلَهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمُوَافِقِ لِمَدْلُولِ الْخَضْرَمَةِ ; فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ (الْمُحْكَمِ) : مُخَضْرَمٌ: نَاقِصُ الْحَسَبِ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِكَرِيمِ الْحَسَبِ. وَقِيلَ: هُوَ الدَّعِيُّ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ أَبَوَاهُ. وَقِيلَ: مَنْ أَبُوهُ أَبْيَضُ، وَهُوَ أَسْوَدُ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي وَلَدَتْهُ السَّرَارِيُّ. وَالْخَضْرَمَةُ قَطْعُ إِحْدَى الْأُذُنَيْنِ. وَامْرَأَةٌ مُخَضْرَمَةٌ: مَخْتُونَةٌ. وَلَحْمٌ مُخَضْرَمٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ: لَا يُدْرَى مِنْ ذَكَرٍ هُوَ أَوْ أُنْثَى. وَكَذَا قَالَ فِي (الصِّحَاحِ) : رَجُلٌ مُخَضْرَمُ النَّسَبِ ; أَيْ: دَعِيٌّ. وَنَاقَةٌ مُخَضْرَمَةٌ ; أَيْ: مَخْفُوضَةٌ. وَلَحْمٌ مُخَضْرَمٌ. . . إِلَى آخِرِهِ. وَالشَّاهِدُ فِي جُمْلَةِ: وَلَحْمٌ مُخَضْرَمٌ. . . إِلَى آخِرِهِ. وَكَثِيرٌ مِمَّا فِي (الْمُحْكَمِ) ; إِذِ الْمُخَضْرَمُونَ كَذَلِكَ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِلْمُعَاصَرَةِ، وَبَيْنَ التَّابِعِينَ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْعَسْكَرِيِّ فِي (الدَّلَائِلِ) : الْمُخَضْرَمَةُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّتِي نُتِجَتْ بَيْنَ الْعِرَابِ وَالْبَخَاتِيِّ، فَقِيلَ: رَجُلٌ مُخَضْرَمٌ: إِذَا عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ: وَهُنَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ. وَكَأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: هَلْ هُوَ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ هَذَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يَقْرُبُ مِنْهُ مَا اشْتَهَرَ فِي الْعُرْفِ مِنْ إِطْلَاقِ هَذَا الِاسْمِ عَلَى مَنْ يَشْتَغِلُ بِهَذَا الْفَنِّ وَهَذَا الْفَنِّ، وَلَا يُمْعِنُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ: وَيُطْلَقُ الْمُخَضْرَمُ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ. وَسَبَقَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ فَقَالَ فِي كِتَابِ (الْحَيَوَانِ) : وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: مُخَضْرَمٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً، وَلِمَنْ أَدْرَكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute