للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنَ النَّقْصِ ; لِكَوْنِهِ نَاقِصَ الرُّتْبَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ ; لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَصِيرُ بِهِ صَحَابِيًّا، مَعَ إِدْرَاكِهِ مَا يُمْكِنُ بِهِ وُجُودُ ذَلِكَ. وَمِنْهُ: نَاقِصُ الْحَسَبِ، وَنَحْوُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَفِي النِّهَايَةِ: وَأَصْلُ الْخَضْرَمَةِ أَنْ يَجْعَلَ الشَّيْءَ بَيْنَ بَيْنَ، فَإِذَا قَطَعَ بَعْضَ الْأُذُنِ فَهِيَ بَيْنَ الْوَافِرَةِ وَالنَّاقِصَةِ. وَقِيلَ: هِيَ الْمَنْتُوجَةُ بَيْنَ النَّجَائِبِ وَالْعُكَاظِيَّاتِ، قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُخَضْرِمُونَ نَعَمَهِمْ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخَضْرِمُوا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخَضْرِمُ مِنْهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِكُلِّ مَنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ: مُخَضْرِمٌ ; لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْخَضْرَمَتَيْنِ.

عَلَى أَنَّ فِي كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ فِي (صَحِيحِهِ) مَا قَدْ يُوَافِقُ قَوْلَ صَاحِبِ (الْمُحْكَمِ) . وَمَنْ لَعَلَّهُ وَافَقَهُ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ فَإِنَّهُ قَالَ: الرَّجُلُ إِذَا كَانَ لَهُ فِي الْكُفْرِ سِتُّونَ سَنَةً، وَفِي الْإِسْلَامِ سِتُّونَ يُدْعَى مُخَضْرَمًا. وَلَكِنْ لَعَلَّهُ أَرَادَ مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ. أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ يُسَمَّى مُخَضْرَمًا لُغَةً، لَا اصْطِلَاحًا. ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَهُ التَّقَيُّدُ بِهَذَا السِّنِّ الْمَخْصُوصِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مُجَرَّدُ إِدْرَاكِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا كَافٍ. وَلَكِنْ مَا الْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ؟ أَهِيَ مَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) عِنْدَ قَوْلِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ، وَهُمَا مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ ; أَيْ: كَانَا رَجُلَيْنِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، مَا نَصُّهُ: وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ بَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ. وَقِيلَ: ذَلِكَ إِدْرَاكُ قَوْمِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، لَكِنْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ ; لِزَوَالِ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ حِينَ خَطَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ وَأَبْطَلَ أُمُورَ الْجَاهِلِيَّةِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَسَدَانَةِ الْكَعْبَةِ.

قُلْتُ: وَصَنِيعُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِذِكْرِهِ الْمُشَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>