فِي بَغْدَادَ حِينَ دُخُولِ اللَّيْثِ لَهَا فِي الرَّسْلِيَّةِ، وَيَتَمَيَّزُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَّفِقَيْنِ مِنَ الْآخَرِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سَابِعِ أَقْسَامِ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ، وَمِنْ مَظَانِّهِ (الطَّبَقَاتُ) لِابْنِ سَعْدٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَ (تَوَارِيخُ الْبُلْدَانِ) ، وَأَحْسَنُ مَا أُلِّفَ فِيهِ وَأَجْمَعُهُ (الْأَنْسَابُ) لِابْنِ السَّمْعَانِيِّ، وَفِي مُخْتَصَرِهِ لِابْنِ الْأَثِيرِ فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ، وَكَذَا لِلرُّشَاطِيِّ (الْأَنْسَابُ) ، وَاخْتَصَرَهُ الْمَجْدُّ الْحَنَفِيُّ.
(وَ) قَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ إِنَّمَا يُنْسَبُونَ إِلَى الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ وَالْعَمَائِرِ وَالْعَشَائِرِ وَالْبُيُوتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الْحُجُرَاتِ: ١٣] . وَالْعَجَمُ إِلَى رَسَاتِيقِهَا ; وَهِيَ الْقُرَى وَبُلْدَانِهَا، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى أَسْبَاطِهَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَ النَّاسُ فِي الْأَقَالِيمِ وَالْمُدِنِ وَالْقُرَى (ضَاعَتْ) كَثِيرًا (الْأَنْسَابُ) الْعَرَبِيَّةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا (فِي الْبُلْدَانِ) الْمُتَفَرِّقَةِ، (فَنُسِبَ الْأَكْثَرُ) مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ، كَمَا كَانَتِ الْعَجَمُ تَنْتَسِبُ (لِلْأَوْطَانِ) ; جَمْعُ وَطَنٍ وَهُوَ مَحَلُّ الْإِنْسَانِ مِنْ بَلْدَةٍ أَوْ ضَيْعَةٍ أَوْ سِكَّةٍ، وَهِيَ الزُّقَاقُ أَوْ نَحْوُهَا، وَهَذَا وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْضًا فَهُوَ قَلِيلٌ، كَمَا أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا النِّسْبَةُ إِلَى الْقَبَائِلِ بِقِلَّةٍ.
ثُمَّ إِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى مَحَلٍّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلِيًّا مِنْهُ أَوْ نَازِلًا فِيهِ، بَلْ وَمُجَاوِرًا لَهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا ; وَلِذَلِكَ تُعَدَّدُ النِّسْبَةُ بِحَسَبِ الِانْتِقَالِ، وَلَا حَدَّ لِلْإِقَامَةِ الْمُسَوِّغَةِ لِلنِّسْبَةِ بِزَمَنٍ، وَإِنْ ضَبَطَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، فَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ كَثِيرٍ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يُسَوَّغُ الِانْتِسَابُ إِلَى الْبَلَدِ إِذَا قَامَ فِيهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إِنَّهُ قَوْلٌ سَاقِطٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute