للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ قَدْ يُدَّعَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِـ " عَنْ مِثْلِهِ " تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَوْضِيحٍ، وَأَنَّهُ قَدْ فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ، وَلِذَلِكَ حَذَفَهُ شَيْخُنَا فِي نُخْبَتِهِ لِشِدَّةِ اخْتِصَارِهَا (مِنْ غَيْرِ مَا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ (شُذُوذٍ) وَغَيْرِ (عِلَّةٍ قَادِحَةٍ) ، وَهَذَانِ: الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مِنَ الشُّرُوطِ، وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُهُمَا، وَهُمَا سَلْبِيَّانِ بِمَعْنَى اشْتِرَاطِ نَفْيِهِمَا، وَلَا يَخْدِشُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ ذِكْرِ الْخَطَّابِيِّ لَهُمَا ; إِذْ لَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ فِيهِ.

بَلْ هُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى تَوْجِيهِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، قَوْلُهُ: (وَفِيهِمَا نَظَرٌ عَلَى مُقْتَضَى نَظَرِ الْفُقَهَاءِ ; حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعِلَلِ الَّتِي يُعَلِّلُ بِهَا الْمُحَدِّثُونَ لَا تَجْرِي عَلَى أُصُولِ الْفُقَهَاءِ) .

إِذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يُسَمَّى عِلَّةً، فَالْكَثِيرُ مِنْهُ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَالْبَعْضُ الْمُحْتَمِلُ لِأَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرَ أَوْ غَيْرَهُ يُوَافِقُ الْفَقِيهَ الْمُحَدِّثَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِهِ، وَلِذَلِكَ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: (كَثِيرًا) .

وَمِنَ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مِمَّا إِذَا أَثْبَتَ الرَّاوِي عَنْ شَيْخِهِ شَيْئًا فَنَفَاهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ أَوْ أَكْثَرُ عَدَدًا، أَوْ أَكْثَرُ مُلَازَمَةً مِنْهُ، فَإِنَّ الْفَقِيهَ وَالْأُصُولِيَّ يَقُولَانِ: الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَيُقْبَلُ.

وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَمُّونَهُ شَاذًّا ; لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوا الشُّذُوذَ الْمُشْتَرَطَ نَفْيُهُ هُنَا بِمُخَالَفَةِ الرَّاوِي فِي رِوَايَتِهِ مَنْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ، عِنْدَ تَعَسُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَوَافَقَهُمُ الشَّافِعِيُّ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ، بَلْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنَ الْوَاحِدِ، أَيْ: لِأَنَّ تَطَرُّقَ السَّهْوِ إِلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى الْعَدَدِ الْكَثِيرِ، وَحِينَئِذٍ فَرَدُّ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ بَعِيدٌ.

وَمِنْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ تَابِعِيٍّ مَثَلًا عَنْ صَحَابِيٍّ، وَيَرْوِيهِ آخَرُ مِثْلُهُ ; سَوَاءٌ عَنْ ذَلِكَ التَّابِعِيِّ بِعَيْنِهِ، لَكِنْ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ أَوْ أَكْثَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>