للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- يَعْنِي لِظُهُورِ السَّقْطِ - وَذَمُّوا مَنْ دَلَّسَ ".

وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: " التَّدْلِيسُ عِنْدَ جَمَاعَتِهِمُ اتِّفَاقًا هُوَ أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ وَحَدَّثَ عَنْهُ مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ مِمَّنْ تُرْضَى حَالُهُ أَوْ لَا تُرْضَى، عَلَى أَنَّ الْأَغْلَبَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ حَالُهُ مَرَضِيَّةً لَذَكَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ لِأَنَّهُ اسْتَصْغَرَهُ ".

قَالَ: " وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّجُلِ عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ - كَمَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالثَّوْرِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - فَاخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّهُ تَدْلِيسٌ ; لِأَنَّهُمَا لَوْ شَاءَا لَسَمَّيَا مَنْ حَدَّثَهُمَا، كَمَا فَعَلَا فِي الْكَثِيرِ مِمَّا بَلَغَهُمَا عَنْهُمَا، قَالُوا: وَسُكُوتُ الْمُحَدِّثُ عَنْ ذِكْرِ مَنْ حَدَّثَهُ مَعَ عِلَّةٍ بِهِ دُلْسَةٌ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إِنَّمَا هُوَ إِرْسَالٌ، قَالُوا: فَكَمَا جَازَ أَنْ يُرْسِلَ سَعِيدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَلِكَ تَدْلِيسًا، كَذَلِكَ مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: وَلَئِنْ كَانَ هَذَا تَدْلِيسًا، فَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا سَلِمَ مِنْهُ إِلَّا شُعْبَةَ وَالْقَطَّانَ ; فَإِنَّهُمَا لَيْسَا يُوجَدُ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَا سِيَّمَا شُعْبَةُ ". انْتَهَى.

وَكَلَامُهُ بِالنَّظَرِ لِمَا اعْتَمَدَهُ يُشِيرُ أَيْضًا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ الْخَفِيِّ وَالْجَلِيِّ ; لِإِدْرَاكِ مَالِكٍ لِسَعِيدٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَدَمِ إِدْرَاكِ الثَّوْرِيِّ لِلنَّخَعِيِّ أَصْلًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَخْصِيصِهِ بِالثِّقَةِ، فَتَخْصِيصُهُ بِهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ تَمْهِيدِهِ اقْتِصَارٌ عَلَى الْجَائِزِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي مَكَانٍ آخَرَ مِنْهُ بِذَمِّهِ فِي غَيْرِ الثِّقَةِ.

فَقَالَ: " وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ، فَإِنْ دَلَّسَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَهُوَ تَدْلِيسٌ مَذْمُومٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَكَذَلِكَ إِنْ حَدَّثَ عَمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، فَقَدْ جَاوَزَ حَدَّ التَّدْلِيسَ الَّذِي رَخَّصَ فِيهِ مَنْ رَخَّصَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى مَا يُنْكِرُونَهُ وَيَذُمُّونَهُ وَلَا يَحْمَدُونَهُ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>