للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثِهِ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَمَّنْ سَمِعَهُ مِنْهُ. وَفَائِدَتُهُ سِوَى مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ شِدَّةِ الْوُثُوقِ بِالرَّاوِي عَنْهُ - مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ - الْإِعْلَامُ بِالْمَرْوِيِّ، وَكَوْنُهُ (لَنْ يُضِيعَهْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَضَاعَ ; إِذْ بِتَرْكِهِ لِرِوَايَتِهِ يَضِيعُ.

وَمِنْ ظَرِيفِ مَا اتَّفَقَ فِي الْمَعْنَى أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ عَسَاكِرَ، وَهُوَ أُسْتَاذُ زَمَانِهِ حِفْظًا وَإِتْقَانًا وَوَرَعًا، حَدَّثَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُبَارَكِ الدَّهَّانَ بِبَغَدَادَ يَقُولُ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ شَخْصًا أَعْرِفُهُ يُنْشِدُ صَاحِبًا لَهُ:

أَيُّهَا الْمَاطِلُ دَيْنِي ... أُمْلِي وَتُمَاطِلْ

عَلِّلِ الْقَلْبَ فَإِنِّي ... قَانِعٌ مِنْكَ بِبَاطِلْ

وَحَدَّثَ ابْنُ عَسَاكِرَ بِهَذَا صَاحِبَهُ الْحَافِظَ أَبَا سَعْدِ بْنَ السَّمْعَانِيِّ، قَالَ أَبُو سَعْدٍ: فَرَأَيْتُ ابْنَ الدَّهَّانِ، فَعَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُهُ. قَالَ أَبُو سَعْدٍ: وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ أَكْمَلِ مَنْ رَأَيْتُ، جُمِعَ لَهُ الْحِفْظُ وَالْمَعْرِفَةُ وَالْإِتْقَانُ، وَلَعَلَّ ابْنَ الدَّهَّانِ نَسِيَ، ثُمَّ كَانَ ابْنُ الدَّهَّانِ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ نَفْسِهِ.

قَالَ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ: وَلِأَجْلِ أَنَّ النِّسْيَانَ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْإِنْسَانِ، بِحَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى جُحُودِ مَا رُوِيَ عَنْهُ، وَتَكْذِيبِ الرَّاوِي لَهُ، كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنَ الْعُلَمَاءِ التَّحْدِيثَ عَنِ الْأَحْيَاءِ، مِنْهُمُ الشَّعْبِيُّ ; فَإِنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَوْنٍ: لَا تُحَدِّثْنِي عَنِ الْأَحْيَاءِ. وَمَعْمَرٌ ; فَإِنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: إِنْ قَدَرْتَ أَنْ لَا تُحَدِّثَ عَنْ حَيٍّ فَافْعَلْ.

(وَالشَّافِعِيْ) بِالْإِسْكَانِ (نَهَى ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ) ، هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (يَرْوِي) أَيْ: عَنِ الرِّوَايَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>