وَمِنْ صِيَغِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَأَنَّهُ مُصْحَفٌ: (أَوْ) فُلَانٌ (مُتْقِنٌ أَوْ حُجَّةٌ أَوْ إِذَا عَزَوْا) [بِنَقْلِ هَمْزَةِ الثَّلَاثَةِ مَعَ التَّنْوِينِ، وَإِنِ اتَّزَنَ مَعَ تَرْكِهِ بِالْقَطْعِ] ; أَيْ: نَسَبَ الْأَئِمَّةُ (الْحِفْظَ أَوْ) نَسَبُوا (ضَبْطًا لِعَدْلٍ) كَأَنْ يُقَالَ فِيهِ: حَافِظٌ أَوْ ضَابِطٌ ; إِذْ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ كَافٍ فِي التَّوْثِيقِ، بَلْ بَيْنَ [الْعَدْلِ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ ; لِأَنَّهُ يُوجَدُ بِدُونِهِمَا، وَيُوجَدَانِ بِدُونِهِ، وَتُوجَدُ الثَّلَاثَةُ] .
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلَ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ رَجُلٍ، فَقَالَ: " حَافِظٌ، فَقَالَ لَهُ: أَهُوَ صَدُوقٌ؟ " وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الشَّاذَكُونِيُّ مِنَ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُتَّهَمُ بِشُرْبِ النَّبِيذِ وَبِالْوَضْعِ، حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَضْعَفُ عِنْدِي مِنْ كُلِّ ضَعِيفٍ.
وَرُؤِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي النَّوْمِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، فَقِيلَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: كُنْتُ فِي طَرِيقِ أَصْبَهَانَ، فَأَخَذَنِي مَطَرٌ، وَكَانَ مَعِي كُتُبٌ، وَلَمْ أَكُنْ تَحْتَ سَقْفٍ وَلَا شَيْءٍ، فَانْكَبَبْتُ عَلَى كُتُبِي، حَتَّى أَصْبَحْتُ وَهَدَأَ الْمَطَرُ، فَغَفَرَ اللَّهُ لِي بِذَلِكَ فِي آخَرِينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْوَصْفِ بِالْإِتْقَانِ كَذَلِكَ، قِياسًا عَلَى الضَّبْطِ ; إِذْ هُمَا مُتَقَارِبَانِ، لَا يَزِيدُ الْإِتْقَانُ عَلَى الضَّبْطِ سِوَى إِشْعَارِهِ بِمَزِيدِ الضَّبْطِ، وَصَنِيعُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ يُشْعِرُ بِهِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا قِيلَ لِلْوَاحِدِ: إِنَّهُ ثِقَةٌ أَوْ مُتْقِنٌ ثَبْتٌ، فَهُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ ; حَيْثُ أَرْدَفَ الْمُتْقِنَ بِثَبْتِ الْمُقْتَضِي لِلْعَدَالَةِ، بِدُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute