لَيْسَ لَنَا أَنْ نُفَسِّرَ الْحَسَنَ هُنَاكَ بِمَا هُوَ مُفَسَّرٌ بِهِ هُنَا إِلَّا بَعْدَ الْبَيَانِ، لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ.
وَلَكِنْ يَتَأَيَّدُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَبِيرِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: " عِنْدَنَا " حِكَايَةَ اصْطِلَاحِهِ مَعَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ; كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَنَا، أَيْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ. انْتَهَى.
وَيُبْعِدُهُ قَوْلُهُ: (وَمَا ذَكَرْنَا) ، وَكَذَا قَوْلُهُ: " فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ "، وَحِينَئِذٍ فَالنُّونُ لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ التَّلَبُّسِ بِالْعِلْمِ الْمُتَأَكِّدِ تَعْظِيمُ أَهْلِهِ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحَى: ١١] مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْإِعْجَابِ وَنَحْوِهِ، الْمَذْمُومِ مَعَهُ مِثْلُ هَذَا، [لَا سِيَّمَا وَالْعَرَبُ - كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ مِنَ التَّفْسِيرِ - تُؤَكِّدُ فِعْلَ الْوَاحِدِ، فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ ; لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ] ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَلْيَقُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّاذِّ.
(وَقِيلَ) : مِمَّا عَزَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مُرِيدًا بِهِ الْحَافِظَ أَبَا الْفَرَجِ بْنَ الْجَوْزِيِّ ; حَيْثُ قَالَ فِي تَصْنِيفَيْهِ (الْمَوْضُوعَاتُ وَالْعِلَلُ الْمُتَنَاهِيَةُ) : الْحَسَنُ (مَا ضِعْفٌ قَرِيبٌ مُحْتَمَلْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (فِيهِ) .
وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعَارِيفِ ; فَإِنَّ هَذِهِ صِفَةُ الْحَسَنِ الْمَوْصُوفِ بِالْحُسْنِ إِذَا اعْتَضَدَ بِغَيْرِهِ، حَتَّى لَوِ انْفَرَدَ لَكَانَ ضَعِيفًا، وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ صِفَةُ الْحَسَنِ مُطْلَقًا، فَالْحَسَنُ لِذَاتِهِ إِذَا عَارَضَ الصَّحِيحَ، كَانَ مَرْجُوحًا، وَالصَّحِيحُ رَاجِحًا.
فَضَعْفُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ، وَالْحَسَنُ لِغَيْرِهِ أَصْلُهُ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْحُسْنُ بِالْعَاضِدِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute