إِثْبَاتُ ذِكْرِهِ وَإِسْقَاطُهُ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ عَوَّلَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ هُوَ بِهِ ; فَلِمَاذَا ذَكَرَهُ بِالْكِنَايَةِ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْأَمَانَةِ عِنْدَهُ.
قَالَ: وَلَا أَحْسَبُ اسْتِجَازَةَ إِسْقَاطِهِ ذِكْرَهُ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الثِّقَةِ إِلَّا لِأَنَّ الظَّاهِرَ اتِّفَاقُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ. يَعْنِي مِمَّنْ يَحْرِصُ عَلَى الْأَلْفَاظِ، كَمُسْلِمٍ الَّذِي الِاحْتِجَاجُ بِصَنِيعِهِ فِيهِ أَعْلَى أَوْ فِي مَعْنَاهُ، إِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِاللَّفْظِ، وَاحْتَاطَ فِي ذَلِكَ بِذِكْرِ الْكِنَايَةِ عَنْهُ مَعَ الثِّقَةِ تَوَرُّعًا، وَإِنْ كَانَ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ.
وَقَدْ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي (مَدْخَلِهِ) إِلَى أَنَّهُ فِي (مُسْتَخْرَجِهِ) تَارَةً يَحْذِفُ الضَّعِيفَ، وَتَارَةً يُنَبِّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَإِذَا كَتَبْتُ الْحَدِيثَ - فِيهِ أَيْ فِي (الْمُسْتَخْرَجِ) - عَنْ رَجُلٍ يَرْوِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَأَحَدُهُمْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ ; فَإِمَّا أَنْ أَتْرُكَ ذِكْرَهُ وَأَكْتَفِيَ بِالثِّقَةِ الَّذِي الضَّعِيفُ مَقْرُونٌ إِلَيْهِ، أَوْ أُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ مَحْكِيٌّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْكِتَابِ. انْتَهَى.
وَإِذَا تَقَرَّرَتْ صِحَّةُ حَذْفِ الْمَجْرُوحِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ صِحَّةِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ ; لِمَا قَدْ يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ تَضْعِيفِ الْمَتْنِ وَعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِلْقَاصِرِ أَوِ الْمُسْتَرْوِحِ، وَفِيهِ مِنَ الضِّرَرِ مَا لَا يَخْفَى.
[حُكْمُ إِسْقَاطِ أَحَدُ الثِّقَتَيْنِ] :
(وَ) أَمَّا (الْحَذْفُ) لِأَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ (حَيْثُ وُثِّقَا) كَمَا وَقَعَ لِلْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْمُدَّثِّرِ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْرِهِ كِلَاهُمَا، عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ حَدِيثًا. وَفَسَّرَ الْغَيْرَ بِأَنَّهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا، (فَهْوَ أَخَفْ) مِمَّا قَبْلَهُ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ تَطَرَّقَ مِثْلُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إِلَيْهِ، وَهُوَ كَوْنُ شَيْءٍ مِنْهُ عَنِ الْمَحْذُوفِ خَاصَّةً فَمَحْذُورُ الْإِسْقَاطِ فِيهِ أَقَلُّ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ الرَّاوِي ثِقَةً كَمَا إِذَا قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute