فَإِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ يَعْلُوَ سِنُّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَدِّثَ وَلَا يَمْتَنِعَ ; لِأَنَّ نَشْرَ الْعِلْمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لَازِمٌ، وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ عَاصٍ آثِمٌ. وَسَاقَ حَدِيثَ: ( «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ نَافِعٍ فَكَتَمَهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» ) .
وَحَدِيثَ: ( «مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عِلْمًا ثُمَّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ» ) . وَقَدْ مَضَى قَرِيبًا، وَقَوْلَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء: ٣٧] . قَالَ: هَذَا فِي الْعِلْمِ، لَيْسَ لِلدُّنْيَا مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَوْلَ ابْنِ الْمُبَارَكِ: مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ ابْتُلِيَ بِإِحْدَى ثَلَاثٍ ; إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عِلْمُهُ، أَوْ يَنْسَاهُ، أَوْ يَتَّبِعَ سُلْطَانًا. وَقَوْلَ رَبِيعَةَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ عِنْدَهُ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: إِنَّمَا حَمَلَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَلَى التَّحْدِيثِ أَنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّهُ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَفِيهَا كَرَاسِيُّ مَوْضُوعَةٌ، عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْهَا زَائِدَةُ، وَعَلَى آخَرَ فُضَيْلٌ، وَذَكَرَ رِجَالًا، وَكُرْسِيٌّ مِنْهَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالَ: فَأَهَوَيْتُ نَحْوَهُ فَمُنِعْتُ، فَقُلْتُ: هَؤُلَاءِ أَصْحَابِي أَجْلِسُ إِلَيْهِمْ. فَقِيلَ لِي: إِنَّ هَؤُلَاءِ بَذَلُوا مَا اسْتُودِعُوا، وَإِنَّكَ مَنَعْتَهُ. فَأَصْبَحَ يُحَدِّثُ.
وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّ الَّذِي نَقُولُهُ: إِنَّهُ مَتَى احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْدَهُ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدِّي لِرِوَايَتِهِ وَنَشْرِهِ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونُ يُخَالِفُ الْخَطِيبَ فِي الْوُجُوبِ، أَوْ يَكُونَ الِاسْتِحْبَابُ فِي التَّصَدِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute