[تَبْيِينُ التَّحْدِيثِ وَتَرْتِيلُهُ] : (وَلِلْحَدِيثِ رَتِّلِ) اسْتِحْبَابًا إِنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا تَسْرُدْهُ سَرْدًا، أَيْ لَا تُتَابِعِ الْحَدِيثَ اسْتِعْجَالًا، بَعْضَهُ إِثْرَ بَعْضٍ ; لِئَلَّا يَلْتَبِسَ أَوْ يَمْنَعَ السَّامِعَ مِنْ إِدْرَاكِ بَعْضِهِ ; لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: ( «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ سَرْدَكُمْ» ) .
زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: (إِنَّمَا كَانَ حَدِيثُهُ فَهْمًا تَفْهَمُهُ الْقُلُوبُ) . وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ مِمَّا قَالَ: إِنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ: (وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ) .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْرُدُونَ الْحَدِيثَ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ بَعْضُهُ، بَلِ اعْتُذِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ، بِأَنَّهُ كَانَ لِكَوْنِهِ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ الْمَحْفُوظِ، لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَهْلِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَدِيثِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتَصِرَ فَتَزَاحَمُ الْقَوَافِي عَلَى فِيِّ.
وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ، فَإِذَا خَفِيَ الْبَعْضُ فَأَوْلَى أَنْ يُنْكَرَ، وَلِذَا قِيلَ كَمَا سَلَفَ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ: (شَرُّ الْقِرَاءَةِ الْهَذْرَمَةُ) .
وَقَدْ قَالَ النَّحَّاسُ فِي (صِنَاعَةِ الْكِتَابِ) : قَوْلُهُمْ: سَرَدَ الْكَاتِبُ قِرَاءَتَهُ. مَعْنَاهُ: أَحْكَمَهَا. مُشْتَقٌّ مِنْ سَرَدَ الدِّرْعَ إِذَا أَحْكَمَهَا، وَجَعَلَ حِلَقَهَا وَلَاءً غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَحْسَنَ صَنْعَةَ الْمَسَامِيرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرَّاءَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ، بَلْ وَحَكَاهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، أَيْضًا قَدْ تَسَامَحُوا فِي ذَلِكَ، وَصَارَ الْقَارِئُ يَسْتَعْجِلُ اسْتِعْجَالًا يَمْنَعُ السَّامِعَ مِنْ إِدْرَاكِ حُرُوفٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute