للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَثِيرَةٍ بَلْ كَلِمَاتٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَامِسِ الْفُرُوعِ التَّالِيَةِ لِثَانِي أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ.

وَلَا تُطِلِ الْمَجْلِسَ، بَلِ اجْعَلْهُ مُتَوَسِّطًا، وَاقْتَصِدْ فِيهِ حَذَرًا مِنْ سَآمَةِ السَّامِعِ وَمَلَلِهِ، وَأَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى فُتُورِهِ عَنِ الطَّلَبِ وَكَسَلِهِ، إِلَّا إِنْ عَلِمْتَ أَنَّ الْحَاضِرِينَ لَا يَتَبَرَّمُونَ بِطُولِهِ، فَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ: إِذَا طَالَ الْمَجْلِسُ كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيبٌ.

وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَنْ أَطَالَ الْحَدِيثَ وَأَكْثَرَ الْقَوْلَ، فَقَدْ عَرَّضَ أَصْحَابَهُ لِلْمَلَالِ وَسُوءِ الِاسْتِمَاعِ، وَلَأَنْ يَدَعَ مِنْ حَدِيثِهِ فَضْلَةً يُعَادُ إِلَيْهَا، أَصْلَحُ مِنْ أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُ مَا يَلْزَمُ الطَّالِبَ اسْتِمَاعُهُ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ فِيهِ وَلَا نَشَاطٍ لَهُ.

وَقَالَ الْجَاحِظُ: قَلِيلُ الْمَوْعَظَةِ مَعَ نَشَاطِ الْمُوعَظِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ وَافَقَ مِنَ الْأَسْمَاعِ نَبْوَةً، وَمِنَ الْقَلْبِ مَلَالَةً. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ كَلَامٍ كَثُرَ عَلَى السَّمْعِ وَلَمْ يُطَاوِعْهُ الْفَهْمُ، ازْدَادَ بِهِ الْقَلْبُ عَمًى، وَإِنَّمَا يَقَعُ السَّمْعُ فِي الْآذَانِ إِذَا قَوِيَ فَهْمُ الْقَلْبِ فِي الْأَبْدَانِ.

وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مَزِيدٍ الْبَيْرُوتِيُّ: الْمُسْتَمِعُ أَسْرَعُ مَلَالَةً مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، وَصَحَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>