أَيُّوبَ فَنَكْتُبُهُ مِنْهُ، وَلَا نَسْأَلُ مَنْ أَيُّوبُ. وَمَيَّلَ أَحْمَدُ إِلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ ; حَيْثُ فَوَّتَ بِالِاشْتِغَالِ بِالْعُلُوِّ مَنْ يَسْتَرْشِدُ بِهِ لِلِاسْتِنْبَاطِ وَنَحْوِهِ ; فَإِنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَعِينٍ: إِنْ فَاتَكَ حَدِيثٌ بِعُلُوٍّ وَجَدْتَهُ بِنُزُولٍ، وَإِنْ فَاتَكَ عَقْلُ هَذَا الْفَتَى - وَعَنَى إِمَامَنَا الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَوْشَكَ أَنْ لَا تَرَاهُ.
[تَفْضِيلُ النُّزُولِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ] :
(وَقَدْ فَضَّلَ بَعْضٌ) مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ خَلَّادٍ وَالْخَطِيبُ غَيْرَ مُعَيِّنَيْنِ لَهُ (النُّزُولَ) ; فَإِنَّ الْعُلُوَّ - كَمَا قَالَ بَعْضُ الزُّهَّادِ - مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ كَلَامٌ وَاقِعٌ، فَالْغَالِبُ عَلَى الطَّالِبِينَ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَوْلُهُمُ: الْعُلُوُّ قُرْبٌ مِنَ اللَّهِ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْقِيقٍ وَبَحْثٍ، وَكَأَنَّهُ لِمَا لَعَلَّهُ يَتَضَمَّنُ مِنْ إِثْبَاتِ الْجِهَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّاوِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ جَرْحِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ وَتَعْدِيلِهِ، وَالِاجْتِهَادُ فِي أَحْوَالِ رُوَاةِ النَّازِلِ أَكْثَرُ، فَكَانَ الثَّوَابُ فِيهِ أَوْفَرَ.
قَالَ ابْنُ خَلَّادٍ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْخَبَرَ أَقْوَى مِنَ الْقِيَاسِ، يَعْنِي مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْبَحْثَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي الْخَبَرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، أَوْ لِأَنَّ تَقْدِيمَ النَّازِلِ مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى كَثْرَةِ الْوَسَائِطِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَكْثِيرِ الْخَبَرِ يَتَضَمَّنُ تَرْجِيحَ الْخَبَرِ فِي الْجُمْلَةِ. وَيُسَاعِدُ هَذَا الْقَوْلَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute