للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) (١١٩)

المفردات:

- بجهالة: بسفه وطيش.

المعنى الإجمالي:

بعد بيان الآيات السابقة الأحكام التكليفية، تبين هذه الآية أن بعض المسلمين قد لا يطيعون الله - سبحانه وتعالى - بكل ما جاء من الأحكام، وسبب هذه المعصية هي الجهالة، وهي: السفه والطيش، وليس الكفر والإنكار، ولذا فإن هؤلاء العاصين إن تابوا والتزموا بأوامر الله - سبحانه وتعالى - فإنه سيغفر ذنوبهم ويرحمهم.

المعنى التفصيلي:

- (ثم) ليست للتراخي الزمني بل للدلالة على تعظيم غفران الله - سبحانه وتعالى- للذنوب.

- (إن ربك) (إن) للتأكيد، و"الكاف" في (ربك) عائد على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. والإضافة إنما هي لتكريم النبي صلى الله عليه وسلم. ودلالة التعبير بـ"الرب" هي العناية والرعاية؛ لما لاسم "الرب" من معاني الرعاية والعناية والتي تتناسب وسياق المغفرة.

- (للذين عملوا السوء) أي: المعاصي. والفرق بين السوء والسوء، أن السوء "بفتح السين" هو: مصدر، والسوء "بضم السين" هو: اسم، والفرق بينهما أن السوء بالفتح يضاف إليه المنعوت، نقول: رجل السوء، ظن السوء. والسوء بالضم المكروه، نقول: ساءني سوءا، إذا لقيت منه المكروه. فهما من ناحية الأصل مشتركان، ولكن الاختلاف في طريقة الاستعمال.

- (بجهالة) أي بسفه وطيش. وللجهالة عدة معان:

الأول: خلو النفس من العلم.

الثاني: اعتقاد الشيء على غير ما هو عليه.

الثالث: السفه والطيش.

وإنما قلت: إن المعنى - هنا - السفه والطيش؛ لأنه المعنى المناسب لتوبة المسلم للمعاصي، أما المعصية التي يجهل المسلم حرمتها - غير مقصر بجهله - فلا إثم عليه لفعلها، فعدم العلم مانع من موانع العذاب بسبب الكفر زيادة على المعاصي؛ قال تعالى ( ... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (الإسراء: ١٥)

- (ثم تابوا) (ثم) ليست للتراخي الزمني بل للتراخي الرتبي، لعلو رتبة الغفران؛ لأن بين غفران الذنوب وارتكابها بون شاسع وفرق عظيم.

- (تابوا) أي توبة خالصة لله سبحانه وتعالى، صادقة في حقيقتها، نصوحا غير مشوبة بمصلحة دنيوية.

- (من بعد ذلك) أي من بعد وقوع السوء، والكلام مفهوم دون (من بعد ذلك)؛ لأن التوبة لا تكون إلا بعد الإثم، ولكن في ذلك إشارة إلى ما وقع من الإثم للتأكيد بأن الله غفور رحيم رغم ما وقع وكان.

- (ذلك) "ذا" اسم إشارة و"اللام" للبعد، وإنما أشير للمعاصي بما يشار به للبعيد احتقارا لها.

- (وأصلحوا) أي: أصلحوا أعمالهم.

- أعيد ذكر (إن ربك) رغم ذكره في أول الآية لأمرين، الأول: طول الفصل، والثاني: للتأكيد على مغفرة الله ورحمته لهؤلاء المؤمنين.

- (لغفور رحيم) اللام في (لغفور) للتأكيد، وكل ما ذكر من تأكيد في الآية إنما هو لتطمين هؤلاء المؤمنين - ومن في حكمهم - أن الله - سبحانه وتعالى - غفور رحيم؛ فلا تيأسوا من رحمة الله ومغفرته.

الغفور: اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، بمعنى المتجاوز عن ذنوب عباده، وأصله في اللغة من الستر؛ والتجاوز عن الذنوب ستر لها فلا يحاسب عليها صاحبها.

والرحيم: اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى مشتق من الرحمة.

- ولكن لماذا قدم ذكر اسم "الغفور" على "الرحيم" وليس العكس؟

قدم ذكر اسم "الغفور" على "الرحيم"؛ لأن المغفرة سلامة، والرحمة غنيمة، والسلامة أولا ثم الغنيمة.

- الأصل في ترتيب الجملة هو التالي: " إن ربك لغفور رحيم للذين عملوا السوء بجهالة ... ) فلماذا هذا التغيير في ترتيب الجملة بذكر الجار والمجرور (للذين) قبل (لغفور رحيم)؟

قدم الجار والمجرور (للذين) إبرازا للاسم الموصول، حتى يكون هذا الإبراز إعلانا لإعلاء أمر هؤلاء المؤمنين التائبين، وتنويها بعظيم قدرهم، كيف لا؟! والله شديد الفرح بتوبة عبده؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها" (صحيح مسلم ج٤/ص٢١٠٢)

<<  <   >  >>