(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) (٨)
المعنى الإجمالي:
- ومن نعم الله علينا الخيل والبغال والحمير، التي خلقها الله سبحانه وتعالى لنا لأجل ركوبها، ولأجل أنها زينة لنا إذا ركبناها وإذا امتلكناها، وليس هذا فقط بل هناك خلق آخر غير الذي نعلمه يخلقه متى شاء وكيف شاء.
المعنى التفصيلي:
- جاء الترتيب من الأعلى إلى الأدنى في قوله تعالى: (والخيل والبغال والحمير) فالخيل خير من البغال، والبغال خير من الحمير، وجاء هذا الترتيب لأن المقام مقام امتنان فناسب أن يذكر الأعلى ثم الأدنى، ألا ترى أن فرعون لما أراد يمن على موسى عليه السلام قال له: (قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين) (الشعراء: ١٨) فقدم التربية على المكث، لأن التربية أعظم من مجرد المكث؛ لأنها تشتمل على المكث علاوة على التربية فناسب أن يقدمها.
- بينت الآية أشهر منافع الخيل والبغال والحمير عند العرب، وهي الركوب والزينة، ولا يعني هذا أن الركوب والزينة هي كل المنافع؛ لأنه لا ينكر أحد أن الحمل من منافع هذه الحيوانات، وكذلك الحرث، ولكن ذكرت الآية أشهر ما كان يستفيده العرب من هذه الحيوانات.
- استدل أبو حنيفة بالآية على حرمة لحوم الخيل؛ لأنها لو كانت حلالا لذكرت في باب الامتنان، ولكن سبق ذكر أن الآية لم تبين كل أنواع الفوائد والمنافع بل بينت المشهور منها.
- ويجوز كما ورد في الحديث الصحيح أكل لحوم الخيل، ولكن هذا لم يكن من عادتهم السائرة، ويحرم أكل لحوم الحمير الأهلية، وكذلك البغل المتولد من الخيل والحمير الأهلية، فإنه يحرم لأنه متولد من محرم وحلال.
فقد روى البخاري ومسلم ما يدل على جواز أكل لحوم الخيل، فعن جابر بن عبد الله قال نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل (صحيح البخاري ج٥/ص٢١٠٢) (صحيح مسلم ج٣/ص١٥٤١)
- جاء التعبير في هذه الآية بـ (زينة) عن الخيل والبغال والحمير، وجاء التعبير بـ (جمال) عن الأنعام في قوله تعالى (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون).
فلماذا عبر عن الأنعام بالجمال وعن الخيل والبغال والحمير بالزينة؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من بيان الفرق بين الزينة والجمال، والفرق هو أن كل زينة جمال، ولكن ليس كل جمال زينة، فالزينة أخص.
ومن هنا فمنظر الأنعام جمال يبعث السرور في نفوس العرب زمن الوحي ومن شابههم في الأطباع، وركوب الخيل عند العرب جمال أيضا ولكنه نوع من الجمال يسمى زينة؛ لأن الراكب يتزين بركوب الخيل.
- لماذا قدم ذكر الركوب على الزينة (لتركبوها وزينة)؟
قدم ذكر الركوب على الزينة؛ لأن الفائدة الحقيقية الأصلية تكمن في الركوب، وأما الزينة فهي زيادة.
- وجاء التعبير بالمضارع في قوله تعالى (ويخلق ما لا تعلمون) للدلالة على أن الخلق مستمر ومتجدد.
- (ويخلق ما لا تعلمون) أي من وسائل الركوب والانتقال كالسيارات والطائرات وغيرها، فهي من صنعنا ولكنها من خلق الله سبحانه وتعالى، قال تعالى (والله خلقكم وما تعملون) (الصافات: ٩٦) فكل قول أو فعل أو كائن في هذا الوجود فهو مخلوق، قال تعالى (لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) (الأنعام: ١٠٢)
ولكن قد يقول قائل: (ويخلق ما لا تعلمون) أي من صنوف المخلوقات المتنوعة والأطعمة وليس من وسائل الركوب والانتقال فقط.
ولكن الظاهر في تفسير (ويخلق ما لا تعلمون) في هذه الآية، أي من وسائل الركوب والانتقال؛ لأن ذكر (ويخلق ما لا تعلمون) في ختم الآية التي تتحدث عن الخيل والبغال والحمير دون غيرها من الآيات الكثيرة التي تتحدث عن مخلوقات الأرض والسماء في هذه السورة، للدلالة على الارتباط بين الخيل والبغال والحمير وبين هذا الخلق.
ولكن قد يراد بها المعنى العام في آية أخرى، كما في قوله تعالى (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) (يس: ٣٦)