للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

(أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) (١)

المفردات:

- تعالى: أي هو علي بذاته وصفاته، ولفظ التفاعل للمبالغة في علوه سبحانه وتعالى.

المعنى الإجمالي:

كان الكفار في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعجلون العذاب قال تعالى (ويستعجلونك بالعذاب) (الحج: ٤٧) فكانت هذه الآية تهديدا لهم.

وما هذا الاستعجال إلا لعدم إيمانهم، ولاستخفافهم بالله العظيم، قال تعالى: ... (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) (الشورى: ١٨)

وفي هذه الآية تنزيه لله عن أن يكون له شريك (سبحانه وتعالى عما يشركون).

المعنى التفصيلي:

- أتى الإخبار عن وقوع العذاب للكفار وبعده نهيهم عن الاستعجال (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) ولم يأت النهي عن الاستعجال وبعده الإخبار بأن العذاب أتى " لا تستعجلوا أمر الله فقد أتى "؛ لأن الآية في الأساس تهديد للكفار وليس نهي لهم عن الاستعجال.

- جاء التعبير بالماضي (أتى) في قوله تعالى (أتى أمر الله) وذلك لأن وضع الماضي موضع المستقبل دلالة على قرب الوقوع وعلى تأكده، كقوله تعالى: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة) وقوله (ونفخ في الصور) فالفعل " نادى " و" ونفخ " فعلان ماضيان يتحدثان عن أمور مستقبلية؛ للدلالة على تحقق الفعل المستقبلي كأنه وقع.

- جاء التعبير بـ (أمر الله) وليس " عذاب الله "؛ لأن موضوع الآية وما بعدها هو إثبات التوحيد، بأن الله هو سبحانه الخالق لا إله غيره، فناسب ذلك بيان أن العذاب لا يكون إلا بأمر الله؛ لأن الانفراد بالأمر يدل على الوحدانية، فذكر أمر الله فيه تهديد للكفار، وفيه أيضا إثبات أن الله هو المتصرف في هذا الكون؛ لأنه لا إله غيره، وهذا أبلغ من التعبير بـ "عذاب الله ".

- قيل: أمر الله هو عذاب الآخرة، وهذا هو الراجح؛ لأن الكفار كانوا يستعجلون عذاب الآخرة، قال تعالى: (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) (الشورى: ١٨)

- قيل أمر الله هو عذاب الدنيا، وهذا ليس واردا، رغم أن الكفار كانوا يستعجلون العذاب في الدنيا قال تعالى (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون (٥٣) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين (٥٤)) (العنكبوت)؛ لأنه لو كان العذاب في الدنيا هو المقصود بأمر الله لوقع عذاب الله العام على الكفار وهذا لم يقع بنص قوله تعالى: (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب)

- إذن العذاب الذي سأله الكفار لم يقع في الدنيا، وإنما أجل إلى الآخرة، فكيف يكون عذاب الدنيا هو الذي أتى؟! بل أمر الله الذي أتى هو عذاب الكفار في الآخرة.

- قيل: أمر الله هو أحكامه وفرائضه، وهذا ضعيف؛ لأن الصحابة لم يستعجلوا أحكام الله حتى يهددهم الله بهذا التهديد، وأيضا ختم الآية بتنزيه الله عن الشرك يدل على أن الاستعجال والشرك مترابطان؛ لأن المستعجلين هم المشركون، وهذا لا يكون في الأحكام والفرائض.

- وقيل: أمر الله هو النصر على الكافرين، وهذا ضعيف لما سبق في النقطة السابقة؛ لأن الآية تهديد للمشركين؛ بدلالة آخر الآية.

- قد يقول قائل: ما العلاقة بين (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) وبين ... (سبحانه وتعالى عما يشركون) فالقسم الأول من الآية فيه إخبار بقدوم عذاب الله، وفيه النهي عن استعجال العذاب، أما القسم الثاني ففيه تنزيه الله عن الشركاء، وفيه التعظيم له سبحانه، فما العلاقة بينهما؟

والعلاقة بينهما أن استعجال الكفار بالعذاب منشأه الشرك الذي هم فيه، ولأن سبب الاستعجال هو الشرك، أصبح استعجال العذاب معنى من معاني الشرك، فناسب أن ينزه الله ويعظم بعد ذكر الشرك.

- و" سبحان " مصدر نحو غفران، أي تنزيه الله عما لا يليق به من الصاحبة والشركاء وجميع النقائص، أي تبعيده عنها سبحانه وتعالى.

وأصل السبح هو المر السريع، ومنه يستعار الابتعاد؛ لأن الابتعاد قد يكون نتيجة للمر السريع، لأن معنى تسبيح الله في المعاجم اللغوية هو تنزيه الله، والتنزيه التبعيد، نقول نزه نفسه عن السوء. أي: أبعدها.

- و" تعالى " من العلو، وجاء على وزن تفاعل، لأن علوه سبحانه وتعالى عظيم أيما عظمة.

- ولكن لماذا قدمت كلمة " سبحانه " على " تعالى " وليس العكس؟

يقدم نفي النقائص على إثبات العظمة؛ لأن إثبات العظمة لا يعني نفي النقائص؛ فنفي النقائص يكون أولا ثم إثبات العظمة، فقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم - كما في أحاديث كثيرة ومنها ما هو في الصحيحين - أن نقول " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " وفي هذا الذكر تقديم لتنزيه الله عن الشريك، ثم ذكر عظمة الله سبحانه وتعالى بأن له الملك وله الحمد وأنه على كل شيء قدير.

- جاء التعبير بالفعل المضارع في قوله تعالى (عما يشركون) لأن إشراك الكفار متجدد، فهم في كل وقت يعبدون الأصنام ويذبحون لها ويقدمون لها القربات، وما زال هذا مستمرا حتى زمننا هذا، ففي هذا الزمن - زمن العلم - تعبد الأصنام في بلاد الصناعات والعلوم المادية، ويشرك بالله فيها صبح مساء، فالهندوس والطاويون والبوذيون وغيرهم من أهل الصين والهند وكوريا واليابان كلهم وغيرهم مازال عامتهم على الشرك الذي يتجدد في كل يوم.

<<  <   >  >>