(إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) (١٢٠)
المفردات:
- أمة: إمام هدى يعلم الناس الخير.
- قانتا: دائم الطاعة والخضوع لله تعالى.
- حنيفا: مستقيما على الحق.
المعنى الإجمالي:
بعد بيان الأحكام الشرعية في الآيات السابقة، وبيان ما حرم على يهود وحدهم، جاءت هذه الآية وما بعدها من ممهدات لقوله تعالى (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) (النحل: ١٢٣)؛ لبيان أن ما شرع لأمة محمد من هذه الأحكام إنما كان شريعة لإبراهيم عليه السلام، ولبيان أن يهود ليسوا على شريعة إبراهيم - عليه السلام - رغم زعمهم أنهم على شريعته (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (٦٧) إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين (٦٨)) (آل عمران).
المعنى التفصيلي:
- (إن) للتأكيد؛ ردا على المشركين الذين يزعمون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام.
- (إبراهيم) وهو من رسل الله سبحانه وتعالى، ولا يجهل مكانته مسلم، وليس له أصل في العربية حتى يعرف ما معناه، وقيل: معناه بالسريانية "أب رحيم"، ولا أعرف صحة هذا المعنى، وإنما نقلت ما وقفت عليه.
- (أمة) أي: إماما في الخير، يعلم الناس ويقودهم إلى طريق الخير؛ قال تعالى ( ... قال إني جاعلك للناس إماما ... ) (البقرة: ١٢٤)، و "أمة" على وزن فعلة بمعنى مفعول، مثل: نسخة بمعنى منسوخ، وعرضة بمعنى معروض.
وللأمة في القرآن عدة معان:
الأول: بمعنى القدوة؛ كما في هذه الآية (إن إبراهيم كان أمة ... )
الثاني: مقدار من الزمن؛ كما في قوله تعالى (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) (يوسف: ٤٥)
الثالث: الجماعة من الناس؛ كما في قوله تعالى (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ... ) (البقرة: ١٢٨)
الرابع: الدين والملة؛ كما في قوله تعالى (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) (الزخرف: ٢٢)
والجامع في هذه المعاني: الجمع؛ فالقدوة يجمع الناس على طريقه، ومقدار الزمن يجمع في ذاته الدقائق والأيام، والجماعة من الناس يجتمون مع بعضهم، والدين يجمع الناس على مبادئه.
وقيل: إن معنى (إن إبراهيم كان أمة) أي: قائما بالعبادة مقام أمة، وهذا معنى آخر، ولا تناقض بينه وبين ما سبقه.
- (قانتا) طائعا لله منقادا لأمره، وهذا هو أصل المعنى، ويرد بمعان أخرى تعرف من السياق.
- (حنيفا) حنف: مال إلى الحق وابتعد عن الباطل، وإبراهيم عليه السلام كان على الحق بعيدا عن الباطل.
- يدل ما سبق أنه كان عليه السلام (حنيفا) يدل على أنه ما كان من المشركين، فلماذا ذكر (ولم يك من المشركين) رغم دلالة ما قبله عليه؟
ذكر (ولم يك من المشركين) رغم دلالة ما قبله عليه؛ ردا على المشركين الذين كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام. ويدل أيضا على أنه - عليه السلام - ما كان مشركا في أي أمر كبيرا كان أو صغيرا، ولم يكن مشركا في أي مرحلة من حياته لا في صغره ولا كبره.
- جاء بيان صفات إبراهيم عليه السلام من الأعلى إلى الأدنى؛ وانظر معي - بارك الله فيك - إلى هذا التدرج: فالإمام والقدوة ومعلم الناس الخير والقائم مكان أمة لا بد أن يكون قانتا لله، والقانت لله لا بد أن يكون حنيفا، ومن كانت هذه صفاته فلا بد أن يكون موحدا وأن لا يكون من المشركين.
ولا يشترط في كل موحد أن يكون قانتا أو يكون إماما للناس يعلمهم الخير.
ولكن لماذا التدرج في ذكر صفات إبراهيم - عليه السلام - من الأعلى إلى الأدنى؟
جاء التدرج هكذا لأنه الأصل في المدح؛ نقول: فلان الرئيس السابق، وقد شغل قبلها عدة مناصب. ولا نقول على سبيل المدح: فلان مدير مؤسسة رعاية المسنين سابقا، وكان بعدها رئيسا للبلاد. إنما نقول هذا على سبيل الحكاية والإخبار لا المدح والتزكية.