(وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ((١٢)
المفردات:
سخر: ساقه قهرا إلى الغرض المراد.
آيات: علامات ظاهرة (دلالات).
المعنى الإجمالي:
جعل الله لنا الليل لننام فيه ونرتاح، وجعل لنا النهار لنعمل فيه ونكد، وجعل لنا من الشمس الضياء والدفء، ومن القمر النور، وكذلك فالنجوم العظيمة تسير وفق أمر الله سبحانه وتعالى، وبها نهتدي إلى معرفة الاتجاهات، وهي زينة في السماء، وهذه الفوائد المذكورة لليل والنهار والشمس والقمر والنجوم هي من سبيل البيان لا الحصر، وفي هذه الأمور التي سخرها الله علامات ظاهرة دالة على وحدانيته وقدرته ونعمته، فسبحان من خلق السموات وسخر ما فيها لنا، ما أعظمه وأكرمه!
المعنى التفصيلي:
- جاء التعبير (سخر) بالفعل الماضي لا المضارع مع أن آيات الليل والنهار والشمس والقمر مازالت مسخرة إلى غاية الآن؛ وذلك لأن التسخير سنة ربانية تم قضاؤها، فناسب التعبير بالماضي؛ وما نراه من التسخير هو من آثار القضاء الإلهي السابق، أي أنه قانون إلهي تم قضاؤه على الليل والنهار والشمس والقمر فهي تسير بناء على ما قضي.
- لماذا قدم ذكر الليل على النهار في هذه الآية وغيرها؟ وذلك لأن خلق الليل كان قبل خلق النهار قال تعالى (أنتم أشد خلقا أم السماء بناها (٢٧) رفع سمكها فسواها (٢٨) وأغطش ليلها وأخرج ضحاها (٢٩)) (النازعات)
(وأغطش ليلها): جعله مظلما.
(وأخرج ضحاها): أنار نهارها.
- وقدم ذكر الشمس على القمر؛ لأنها الأصل في الإضاءة والقمر تبع لها.
- وقدم ذكر الشمس والقمر على ذكر النجوم؛ لأن الشمس والقمر ألصق بالأرض من النجوم البعيدة، ولأن آثارهما على الأرض أوضح من أثر النجوم، فالليل والنهار من أثر الشمس، والنور في الليل من أثر القمر، وغير ذلك من الآثار الأخرى.
- أفرد ذكر تسخير النجوم في جملة أخرى مستقلة عن التي قبلها (والنجوم مسخرات بأمره)؛ لأن شأن النجوم في الخلق أعظم مما ذكر من الليل والنهار والشمس والقمر، ولأن النجوم ليست تبعا للشمس أو للقمر، ولأن الشمس نجم من النجوم، وفي النجوم ما يفوق الشمس في الحجم والقوة.
- وعبر عن الليل والنهار والشمس والقمر بالفعل (سخر)، وعبر عن النجوم بالاسم (مسخرات)؛ لأن الاسم أقوى في التأكيد على المعنى من الفعل، فنقول: صدق فلان، فإذا استمر على صدقه صار صادقا، أي أصبح وصف الصدق مستمرا وملازما.
جاء التعبير عن النجوم بالاسم لا الفعل؛ لأن النجوم أعظم من الشمس والقمر، فعددها بالمليارات، وأحجامها مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
(والنجوم مسخرات بأمره) جاء (بأمره) مع ذكر التسخير تأكيدا على أن هذه النجوم العظيمة هي ملك لله، ورغم عظمتها فهي بأمره.
- (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) جاءت الجملة مؤكدة بـ (إن) و (اللام)؛ لضرورة استخدام العقل في استنباط العبر من تسخير الأمور المذكورة.
- جاء في الآية السابقة إفراد لفظ (آية): (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) وفي الآية التالية لفظ الآية مفرد أيضا (إن في ذلك لآية لقوم يذكرون)، ولكن في هذه الآية جمع لفظ الآية (لآيات) (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون).
- وجاء التعبير بـ "قوم" في قوله تعالى (لقوم يعقلون) للإشارة إلى أن المقصودين هم من أصبح استعمال العقل صفتهم التي عليها يجتمعون، ولأجل هذه الصفة المشتركة استحقوا إطلاق "قوم" عليهم، وليسوا ممن استعمل عقله مرة واحدة أو عدة مرات متفرقة، وفي غير ذلك لا يعقلون، وهذا ما يفيده الفعل المضارع، فإن استعمالهم لعقولهم متجدد متكرر، وليس في واقعة واحدة.
وسبب الجمع في هذه الآية هو أن عالم الفضاء فيه من العبر ما يفوق ما على الأرض من العبر، ومن طالع ما يكتبه المختصون في عالم الفضاء لعلم أن في كل أمر آية.
- جاء التعبير في هذه الآية بـ (يعقلون) لأن آيات عالم الفضاء لا يستقل بمعرفتها العامة من الناس، بل لا بد من استخدام العقل لمعرفتها.