للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) (٦٧)

المفردات:

- النخيل: جمع نخلة.

- أعناب: جمع عنب، والعنب جمع عنبة.

- السكر: الشراب المسكر.

- آية: علامة ظاهرة (دلالة).

المعنى الإجمالي:

وتكمل الآية عرض نعم الله الدالة على وحدانيته سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى هو من يسقينا من ثمرات النخيل والأعناب الشراب وغير ذلك من الأغذية، وهذه السقيا دلالة على وحدانية الله سبحانه وتعالى لمن يعقلها.

والامتنان بالسكر - وهو الخمر - امتنان بشيء كان مباحا وقت نزول هذه الآيات؛ لأنها آيات مكية وتحريم الخمر كان في المدينة.

المعنى التفصيلي:

- (ومن ثمرات النخيل والأعناب) الجملة عطف على الجملة السابقة، وتقدير الكلام: "ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب".

وقوله تعالى (ومن ثمرات النخيل والأعناب) ليس متعلقا بـ (تتخذون منه سكرا) والمانع من هذا التعلق هو: "من" في قوله تعالى (تتخذون منه سكرا)، ولو كان النص "ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون سكرا" لاحتمل تعلق الجملة بـ (تتخذون)، ولكن مع وجود "من" في قوله تعالى (تتخذون منه سكرا) فإن الظاهر أن الضمير في منه عائد على ما يسقينا الله من الثمرات.

قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية:

"ولكم أيضا أيها الناس عبرة فيما نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا، مع ما نسقيكم من بطون الأنعام من اللبن الخارج من بين الفرث والدم".

- وقيل: إن " ومن ثمرات ": معطوف على الجار " في الأنعام "، وعلى هذا يكون التقدير: وإن لكم في الأنعام لعبرة، ومن ثمرات النخيل لعبرة. وجملة " تتخذون " تفسيرية للعبرة.

ولكن هذا ضعيف؛ ولو كان النص "وفي ثمرات النخيل " لكان الاحتمال قويا؛ لأن الاعتبار في السياق القرآني يكون في الشيء لا من الشيء، وانظر إلى قوله تعالى:

(إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) (آل عمران: ١٣)

(وإن لكم في الأنعام لعبرة) (النحل:٦٦) (المؤمنون:٢١)

(يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) (النور: ٤٤)

(إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) (النازعات: ٢٦)

- (النخيل والأعناب) ورتبت أنواع الأشجار من الأعلى إلى الأدنى من جهة العمر؛ لأن طول تعمير الشجرة نوع من أنواع النعمة، النخيل يعيش أكثر من الأعناب. وهذا كقوله تعالى في بداية هذه السورة (الآية:١١) (والزيتون والنخيل والأعناب) حيث رتبت أنواع الأشجار من الأعلى إلى الأدنى من جهة العمر؛ لأن طول تعمير الشجرة نوع من أنواع النعمة، فشجر الزيتون يعيش مئات السنين، وشجر النخيل يعيش أقل من شجر الزيتون بكثير، وأما الأعناب فأقلهن عمرا.

- وجملة (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) تفسير لجملة (ومن ثمرات النخيل والأعناب) ولم تعطف جملة (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) على جملة (ومن ثمرات النخيل والأعناب)؛ وذلك لأن بينهما كما يقوم علماء البلاغة: كمال اتصال، ولأجل كمال الاتصال بين الآيتين لم يقع العطف، وهذا ما يسمى في علم البلاغة بـ "الفصل".

- (تتخذون منه) الاتخاذ بمعنى الجعل، أي: تجعلون منه، وهذا ما نسميه في عصرنا بالتصنيع الغذائي.

- (سكرا) جمهور العلماء أن السكر هو الخمر، من باب إطلاق المصدر على الاسم، نقول سكر سكرا وسكرا. والامتنان بالخمر على قريش كان قبل تحريمها، فإن هذه الآيات مكية، وإنما حرمت الخمر بالمدينة، فامتن الله سبحانه بما هو مباح وحلال في ذلك الوقت، ولذلك قال تعالى (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) فوصف الله الرزق بالحسن، ولكنه لم يصف السكر بالحسن رغم إباحته في ذلك الوقت؛ لأنه خبيث، وإنما أباحه الله في ذلك الزمن من باب التيسير على الداخلين في الإسلام، لأن عليهم تبعات عظيمة لتغيير واقعهم الجاهلي، ولله الحكمة البالغة، (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) (الأنبياء: ٢٣)

وروي عن بعضهم أنه نبيذ التمر غير المسكر، أي الماء الذي يوضع فيه التمر ويترك حتى يصبح شرابا حلوا غير مسكر.

- (ورزقا حسنا) هو كل ما يتخذ من الحلال من هذه الأشجار، من الخل والدبس وغير ذلك.

- (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) (إن) حرف توكيد (في ذلك) اللبن الذي يخرج من بين الفرث والدم خالصا سائغا، وفيما تتخذونه من الشراب والرزق الحسن من النخيل والأعناب (لآية) لعلامة دالة على أن الله سبحانه وتعالى الخالق المستحق للعبادة، واللام في (لآية) للتوكيد.

- (لقوم يعقلون) وجاء التعبير بـ "قوم" في قوله تعالى (لقوم يعقلون) للإشارة إلى أن المقصودين هم من أصبح استخدام عقولهم صفتهم التي عليها يجتمعون، ولأجل هذه الصفة المشتركة استحقوا إطلاق "قوم" عليهم، وليسوا ممن استخدم عقله مرة واحدة أو عدة مرات متفرقة، وفي غير ذلك لا يستخدمه، وهذا ما يفيده الفعل المضارع، من أن استخدامهم لعقولهم متجدد متكرر، وليس بواقعة واحدة.

- جاء نص هذه الآية (لقوم يعقلون) بينما جاء في الآية (٦٥) من هذه السورة (لقوم يسمعون) فلماذا اختلاف التعبير؟

اختلف التعبير في الموضعين؛ لأن الموضوع الذي ختم بقوله تعالى (إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) هو موضوع نزول الماء من السماء وإحياء الأرض الميتة، وهذا الموضوع يدركه القاصي والداني، والصغير والكبير، بل إن الراعي ليشاهد أحداثه وتفاصيله ويعلمه بدقة، ولذلك، فإن هذا الأمر بحاجة إلى توجيه الأذن إليه حتى تعلم ماهيته.

بينما خروج اللبن من بين الفرث والدم، لا يعلم حقيقته إلا من أعمل عقله وعلمه.

<<  <   >  >>