(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (٤٣)
المفردات:
- الذكر: المقصود به هنا: التوراة والإنجيل.
المعنى الإجمالي:
تأتي هذه الآية في سياق رد مزاعم الكفار الباطلة، كما هو شأن هذه السورة المباركة، فترد هذه الآية على إنكار الكفار رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه بشر، والرسل - في زعم الكفار- لا يكونون من البشر، قال تعالى (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم) (يونس: ٢).
فبينت الآية أن كل الرسل الذين أرسلهم الله سبحانه هم من البشر، وأرشدت الآية الكفار أن يسألوا علماء أهل الكتاب إن كانوا لا يعلمون؛ ليعلموا أن كل رسل الله هم من البشر.
المعنى التفصيلي:
- جاء التعبير بأسلوب القصر (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) وذلك لإبراز قوة الرد على الكفار؛ لنسف مزاعمهم، فلو قيل: "إن الله لم يرسل رسولا من البشر"، فرددنا بقولنا: " أرسل الله الرسل رجالا "، لما كان بقوة القصر حين نقول: "ما أرسل الله الرسل إلا رجالا".
- لاحظ - بارك الله فيك - الالتفات من الغيبة إلى المتكلم (وعلى ربهم يتوكلون (٤٢) وما أرسلنا) وذلك لعلو شأن إرسال الرسل.
- (من قبلك) الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم، وجاء التعبير بأسلوب الخطاب (من قبلك) لا الغيبة " من قبل محمد" تأنيسا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ورفعا لقدره.
- (إلا رجالا) يعني بشرا، وفي هذا رد على الكفار الذين استنكروا أن يكون الرسول بشرا (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) (الفرقان: ٧).
- جعل الله الرسول إلى البشر بشرا لا ملكا؛ حتى يكون الرسول قدوة لأتباعه، فلو كان نبينا - عليه الصلاة والسلام - ملكا؛ لقال الناس: لا نستطيع أن نفعل مثله؛ لأنه ملك ونحن بشر، قال تعالى (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا (٩٤) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا (٩٥)) (الإسراء).
- يستفاد من قوله تعالى (إلا رجالا) بأن الله سبحانه لم يبعث من النساء رسولا؛ وذلك لأن الأحوال التي يكابدها الرسول من الدعوة والهجرة وخطاب الناس وتحمل الأذى، لا تتناسب وحال النساء.
- (نوحي إليهم) حتى لا يظن ظان أن الرسل رجال مثلنا، بل لا بد من العلم أن لهم ميزة ليست لنا، وهي أن الله سبحانه يوحي إليهم بالرسالات.
- (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) كان الخطاب بداية للنبي صلى الله عليه وسلم (من قبلك)، ثم اتجه الخطاب إلى الكفار (فاسألوا)؛ لأن إقامة الحجة على الكفار مقصد من مقاصد الآية.
- (أهل الذكر) هم أهل علم الدين، والذكر هو ما أنزله الله سبحانه على رسله من الهداية.
- (أهل الذكر) هنا هم علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ووجه الكفار إلى سؤالهم؛ لأنهم أهل علم بأحوال الرسالات، وهم على علم بأن الرسل كانوا بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
- وكما وجه الله سبحانه وتعالى الكفار لسؤال علماء أهل الكتاب عن الذي يجهلون، فنحن المسلمين أولى بنا أن نسأل علماءنا عما نجهل.
- (إن كنتم لا تعلمون) أي الحق والصواب، وجواب الشرط دل عليه السياق، أي إن كنتم لا تعلمون فاسألوا.
- جاء التعبير في الشرط بحرف (إن) إشارة إلى أنهم يعلمون الحق ولكن يكابرون ويعاندون، لأن (إن) تدل على ندرة وجود الأمر.