(ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون)(٥٤)
المعنى الإجمالي:
بينت الآية السابقة أن المضطرين لا يتجهون بالدعاء إلا إلى الله سبحانه وتعالى، وهم من شدة تعلقهم بالله يجأرون بالدعاء إليه، أي يرفعون أصواتهم، ولكن العجيب في الأمر أنه وبعد أن يكشف الله عنهم الضر، يشرك فريق منهم بالله.
المعنى التفصيلي:
- (ثم) في قوله تعالى (ثم إذا كشف الضر عنكم) للترتيب الرتبي، وليس للتراخي؛ لأن كشف الضر قد يكون فوريا دون تراخ، وجيء بـ (ثم)؛ لأن الفرق عظيم بين الجملة الأولى (ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) والجملة المعطوفة (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون)، والفرق العظيم يتضح بالمقارنة بين صورة من يجأر إلى الله بالدعاء ليكشف عنه الضر، وصورة من يشرك بالله بعد أن يكشف الله عنه الضر.
- (إذا كشف الضر عنكم)(إذا) هنا هي (إذا) الشرطية، وذكر الجار والمجرور (عنكم)، علما بأن السياق يدل على الجار والمجرور ولو لم يذكر؛ وذلك زيادة في بيان أن كشف الضر كان لأجلكم أنتم، ولم يكن كشفا عن أحد غيركم.
- (إذا فريق منكم)(إذا) هنا هي (إذا) الفجائية، والتي لها دلالة على عجيب رد فعل المنعم عليهم، حيث قابلوا الإنعام بالجحود.
- التعبير بـ (فريق) يدل على أن من الداعين لله من يشكر الله على نعمه.
- وذكر الجار والمجرور (منكم) في قوله تعالى (إذا فريق منكم)، رغم دلالة السياق عليه، زيادة في بيان بشاعة فعلتهم أن أشركوا بالمنعم عليهم بدل أن يشكروه.
- (بربهم يشركون) قدم الجار والمجرور (بربهم)؛ لإبراز بشاعة هذا الشرك، وأنه ليس أي شرك، بل هو شرك مع الله سبحانه وتعالى.
- وزيادة في بيان بشاعة هذا الشرك جاء التعبير بـ (بربهم) ولم يأت بـ" الله" أو غير ذلك من أسماء الله سبحانه وتعالى؛ لأن من معاني الرب الراعي لعباده، وانظر بشاعة أن يشرك العبد بمن خلقه ويرعاه ويرزقه.
- بل وأضيف الضمير "هم" إلى لفظ "الرب" زيادة في بيان أن هذه الرعاية من الله مختصة بهم؛ لأنه ربهم هم، فهو راعيهم هم، وخالقهم هم، ومحييهم هم، ورغم ذلك هم بذاتهم يشركون بمن نعمه عليهم، فسبحان الله ما أحلمه وأعظمه!