للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (٣٣)

المفردات:

- ينظرون: ينتظرون.

المعنى الإجمالي:

وبعد مقارنة الآيات السابقة بين عاقبة الكفار وعاقبة المؤمنين تعود لتتابع سياق تهديد الكفار بسبب ما هم فيه من الشرك.

وتنكر الآية على الكفار تكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وتبين أن حالهم كحال من ينتظر الملائكة لقبض روحه، أو حال من ينتظر عذاب الله سبحانه وتعالى أن يحل به.

وتحذر الآية أهل مكة بأن السابقين قد فعلوا مثلهم، كفروا بدين الله وبرسله، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى بسبب ظلمهم لأنفسهم بأن ألقوها في الكفر والضلال.

المعنى التفصيلي:

- (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) الاستفهام في الآية استفهام إنكاري.

- (ينظرون) أسند الانتظار إلى الكفار علما بأن ظاهرهم أنهم لا ينتظرون العذاب لأنهم ينكرونه، فلماذا وقع إسناد الانتظار إليهم؟

وقع إسناد الانتظار إليهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى أنزلهم منزلة المنتظرين العارفين لا المنكرين الجاهلين؛ لأن حقيقتهم أنهم يعرفون أن هذا الدين من الله سبحانه وتعالى، وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول كريم، فحالهم مع هذه المعرفة حال من ينتظر.

- (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك) جاء ترتيب الوعيد بالموت وبعده العذاب، من باب الترتيب التصاعدي، من الأدنى إلى الأعلى، وهذا من بلاغة القرآن؛ لأن فيه زيادة في الوعيد، ولو جاء النص من الأعلى إلى الأدنى لما كان التهديد قويا، وتأمل معي، لو قيل لشخص من باب التهديد: "هل تنتظر جراء فعلك هذا أن أقتلك أو أضربك " فإن هذا التهديد ليس بقوة: "هل تنتظر جراء فعلك هذا أن أضربك أو أقتلك " لأن التهديد من الأدنى إلى الأعلى فيه تعظيم، ومن الأعلى إلى الأدنى فيه تهوين.

- (تأتيهم الملائكة) أي لقبض أرواحهم.

- (يأتي أمر ربك) قيل المقصود بأمر الله: التهديد بعذاب الدنيا، وقيل: التهديد بعذاب الآخرة.

والظاهر أن المقصود به هنا هو: التهديد بعذاب الدنيا؛ لدلالة ما بعده على هذا (كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) أي كفر السابقون فأتاهم عذاب الله في الدنيا.

قد يقول قائل: لماذا قلت: إن المقصود بـ (أمر الله) في قوله تعالى (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) (النحل:١) هو عذاب الآخرة لا الدنيا؟

قلت ما قلت؛ لأن الإخبار بأن عذاب الله قد أتى يدل على أنه واقع لا محالة (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)، وعذاب الاستئصال في الدنيا لم يقع بكفار مكة؛ قال تعالى (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون (٥٣) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين (٥٤)) (العنكبوت)؛ لأنه لو كان العذاب في الدنيا هو المقصود بأمر الله لوقع عذاب الله العام على الكفار، وهذا لم يقع بنص قوله تعالى: (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب)

إذن؛ فالعذاب الذي سأله الكفار لم يقع في الدنيا، وإنما أجل إلى الآخرة، فكيف يكون عذاب الدنيا هو الذي أتى؟! بل أمر الله الذي أتى هو عذاب الكفار في الآخرة.

أما هذه الآية (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فهي من باب التهديد بالعذاب لا الإخبار بأنه قد تم قضاؤه كما تم قضاؤه على السابقين، على ما فيها من الدلالة على أن هذا التهديد هو بعذاب الدنيا (كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) أي كفر السابقون فأتاهم عذاب الله في الدنيا.

- إضافة الضمير في كلمة (ربك) إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ للدلالة على النصرة والتأنيس، فالنصرة ببيان أن صاحب الأمر بتعذيب الكفار هو ربك يا محمد.

وأما التأنيس فهو ببيان أن الله الشديد العظيم القوي هو ربك الذي يحبك يا محمد، فذكر القرب في مقام التهديد والشدة، يدل على كمال القرب.

وكذلك الوصف بالربوبية (ربك) يدل على رعاية الله ولطفه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه زيادة في بيان القرب.

- لم تعين الآية اسم قوم من السابقين، وإنما جاء التعبير عاما (الذين من قبلهم) دون تخصيص قوم بالذكر؛ ليدل على أن عقوبة الكافرين سنة إلهية، والتعميم في بيان السنة الإلهية أبلغ من ذكر أمة معينة.

- (وما ظلمهم الله) عندما أوقع عليهم العذاب؛ فإنه سبحانه وتعالى لم يجبرهم على الكفر بل هم من اختاره، وكذلك لم يعذبهم وهم جهلاء لا يعلمون عن دين الله، بل أرسل إليهم الرسل، وأقام لهم البينات حتى ظهر لهم الحق وبان بلا غبش.

- (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وهذا ظلم بشع غبي أن يظلم المرء نفسه، ولذا قدم ذكر (أنفسهم) على (يظلمون) ولم يأت النص " ولكن كانوا يظلمون أنفسهم "؛ لأن المستنكر في هذه الآية هو ظلمهم لأنفسهم وليس مطلق الظلم، ولذا قدم ذكر (أنفسهم) لبيان استبشاع أن يقع ظلم المرء على نفسه.

- وجملة (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) اعتراضية بين قوله تعالى (كذلك فعل الذين من قبلهم) والآية التي بعدها (فأصابهم سيئات ما عملوا).

<<  <   >  >>