للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) (٨١)

المفردات:

- ظلالا: جمع ظل، ويقال لكل موضع لا تصل إليه الشمس.

- أكنانا: جمع كن، وهو ما يحفظ فيه الشيء، ومعناه هنا: الكهوف ونحوها.

- سرابيل: جمع سربال، وهو اللباس.

- تقيكم: تحفظكم وتحميكم.

- بأسكم: شدتكم في الحرب.

- تسلمون: تنقادون.

المعنى الإجمالي:

وتتابع الآيات بيان عظيم خلق الله الدال على استحقاقه للعبادة، فالله سبحانه وتعالى وحده من جعل لنا الظلال التي تقينا حر الشمس، وجعل لنا الكهوف ونحوها في الجبال لنأوي إليها عند الحاجة.

وجعل لنا الملابس التي نحفظ بها أجسادنا من أن تصاب بأذى الحر، وجعل لنا الدروع التي نلبسها لتحمينا من ضربات السيوف وطعنات الرماح ورمي السهام.

وكما أن الله سبحانه وتعالى أتم علينا نعمه هذه، يتم علينا نعمه بنعمة الدين التي تبين لنا الحق من الباطل؛ لعلنا نستسلم لأمر الله ونوحده ونقوم بما أمرنا به.

المعنى التفصيلي:

- الواو في قوله تعالى (والله) للعطف، أي ومن نعمه سبحانه وتعالى عليكم أيضا، أن (جعل لكم مما خلق ظلالا).

- وانظر تفسير الآية السابقة لمعرفة الفرق بين (والله جعل لكم) وبين قولنا "وجعل الله لكم "، ولمعرفة معنى (جعل)، والفرق بينها وبين "خلق"، ولمعرفة دلالة (لكم)، ولمعرفة دلالة تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى (مما خلق ظلالا) و (من الجبال أكنانا).

- لماذا قدم ذكر الوقاية من الحر على الوقاية من البأس في قوله تعالى (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم)؟

قدم ذكر الوقاية من الحر على الوقاية من البأس؛ لأن أذى الحر في الصحراء حدث يومي، يحتاج الإنسان الوقاية منه في كل ساعة من النهار، بينما الحروب لا تكون إلا في وقائع قليلة، وكذلك، فإن الوقاية من الحر يحتاجه كل واحد من الذين يعيشون في الصحراء، من صغير وكبير، ورجل وامرأة، وشيخ وعجوز، بينما دروع الحرب لا يحتاجها إلا المقاتلون؛ فقدم ما يحتاج إليه أكثر، وأخر ما تقل الحاجة إليه.

- لماذا لم تذكر الحماية من البرد في قوله تعالى (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم)؟

لم تذكر الحماية من البرد؛ لأن القرآن في بداية الأمر يخاطب عربا يعيشون في الصحراء، وهم يقاسون إذ يقاسون حر الشمس، وأما البرد فهو نادر أيما ندرة!

وأما غير العرب من الذين يقاسون البرد، فما عليهم إلا أن يقيسوا الحماية من البرد على الحماية من الحر، أي كما أن الله سبحانه جعل لنا ما يقينا الحر، فقد جعل لنا ما يقينا البرد.

- ما المناسبة بين ذكر البيوت في الآية السابقة، والظل والأكنان واللباس في هذه الآية؟

الآية السابقة تتكلم عن نعمة البيوت التي نحتمي فيها عن ما يؤذينا، وتتابع هذه الآية بيان ما يحتمي به الإنسان من الأذى، فالظل يحمينا من أذى الشمس، وهو مسكن مؤقت، وكذلك نحتمي في كهوف الجبال، وأيضا فإن في الملابس التي نلبسها حماية لنا من الأذى، سواء الحر أو البرد، أو أذى القتال والحروب.

- ولكن لماذا ذكرت البيوت أولا؟

ذكرت البيوت أولا في سياق ما يحمي الإنسان؛ لأنها ذات الحظ الأعظم في حمايته من الأذى، ففيها الظلال والدفء والأمان، ووسائل الراحة الجسدية والنفسية.

- لماذا ذكرت الظلال أولا ثم الأكنان ثم الألبسة؟

ذكرت الظلال أولا ثم الأكنان ثم الألبسة؛ لأن نفع الظلال عام لكل الناس، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟

قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم (مسلم: ٣٩٧)

والشاهد من الحديث أن الظل مما يأوي إليه الناس هربا من حر الشمس.

وكذلك موسى عليه الصلاة والسلام اتخذ الظل مأوى له من حر الشمس (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (القصص: ٢٤)

وبعد ذكر الظلال ذكرت الأكنان؛ لأن الذين يحتمون بالأكنان أقل عددا من الذين يحتمون بالظلال.

ثم ذكر الاحتماء بالملابس بعد ذلك؛ لأنها ملحقة إلحاقا بالبيوت والظلال والأكنان، لوجود معنى المسكن فيها؛ فكأن الإنسان يأوى إلى ملابسه ليحتمي من البرد والحر وشدة الحرب.

- (كذلك يتم نعمته) إتماما مثل ذلك الإتمام، فالكاف في (كذلك) للتشبيه، و"ذا" اسم إشارة، واللام للبعد، والكاف للخطاب.

أي أن الله سبحانه يتم عليكم نعمة الدين، كما أتم عليكم النعم المادية المحسوسة.

- (لعلكم تسلمون) تستخدم "لعل" للترجي، وهي هنا للرغبة، أي أن الله سبحانه أنعم علينا بنعمة الدين رغبة في انقيادنا وفق أوامره تعالى، وما ذلك إلا لينعم الله علينا النعمة العظمى، نعمة الجنة، جعلنا الله من سكانها! آمين آمين!

<<  <   >  >>