(وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون) (١٥)
المفردات:
- رواسي: جبال ثابتات، ومفردها راسية، ورسا الشيء، أي: ثبت.
- تميد: تتحرك.
- سبلا: ومفردها سبيل، وهو: الطريق.
المعنى الإجمالي:
جعل الله سبحانه وتعالى الجبال سببا لثبات الأرض حتى لا تتحرك بنا فنهلك، أو لا يصلح لنا زرع أو حرث أو عمل.
وجعل لنا سبحانه الأنهار لنقل الماء إلينا، وجعل لنا الطرق التي نسير فيها، والحكمة من جعل هذه الطرق هو اهتداء الإنسان إلى مكان مصالحه وحاجاته.
المعنى التفصيلي:
- (ألقى) فيه معنى " جعل " كقوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم) (الأنبياء: ٣١).
ولكن معنى الإلقاء الدقيق هنا هو: إلقاء أمر الله بجعل الجبال رواسيا، لأنه يعبر عن القول بالإلقاء قال تعالى (فألقوا إليهم القول) (النحل: ٨٦) وكقوله تعالى (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) (المزمل: ٥) وقوله (ءألقي الذكر عليه من بيننا) (سورة القمر: ٢٥).
وهو كقوله تعالى (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) (الزمر: ٦) أي أنزل الأمر بخلقها.
- تقدم ذكر الجار والمجرور (في الأرض) على المفعول به (رواسي) للأهمية؛ لأن محور الامتنان في الآية الأرض المهيأة للحياة، لا ما جعل في الأرض من الأشياء؛ لأن قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) امتنان بالأرض المثبتة بالجبال، أما لو جاء النص بتأخير الجار والمجرور: " وألقى رواسي في الأرض أن تميد بكم " لكان الامتنان بالجبال التي تثبت الأرض، وسياق الآية إنما هو الامتنان بالأرض المثبتة بالجبال والمهيأة للحياة بالأنهار والسبل، فناسب تقديم الجار والمجرور.
- جاء النص (في الأرض) ولم يأت على الأرض كما يرى الناظر أن الجبال على الأرض وليست فيها؛ لأن (في) تدل على التمكين والثبات، وثانيا: فإن الجزء الظاهر من الجبل للناظر مقابله جزء عظيم مغروس في الأرض.
- (أن تميد بكم) أي: لئلا تضطرب بكم، كقوله تعالى (يبين الله لكم أن تضلوا) (النساء: ١٧٦) أي: لئلا تضلوا.
- إذا كان معنى (الأرض) أي ما يطلق على سطحها، فيكون المعنى: جعلنا الجبال لئلا يضطرب بكم سطح الأرض.
وإذا كان معنى (الأرض) هو ما يطلق على الكوكب، فيكون المعنى: جعلنا الجبال لئلا يضطرب بكم كوكب الأرض في دورانه أو حركته.
- ذكرت الأنهار والسبل بعد ذكر الجبال؛ لأن الجبال الرواسي تشكل حاجزا أمام الماء وأمام البشر، فناسب الامتنان هنا ببيان أنه رغم وجود الجبال التي تثبت الأرض إلا أن وجودها لم يقطع طريق الماء من الوصول إلى الإنسان لتقوم حياته، وأيضا فهذه الجبال رغم عظمتها لم تقطع طريق الإنسان؛ لأن الله سبحانه جعل - رغم تشابك هذه الجبال بعضها ببعض - طرقا يسلكها الإنسان لكي يقوم بشؤون حياته.
- (لعلكم تهتدون) أي إلى مقاصدكم عن طريق سلوك السبل، كقوله تعالى (وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون) (الأنبياء: ٣١)